
اسم الكاتب : أمير سعادة
احتفل شيعة العراق بسقوط نظام الرئيس صدام حسين سنة 2003، وسيطروا على مفاصل الحكم في بغداد من يومها.
أصبحت كبرى وظائف الدولة العراقية في يدهم، وفي مقدمتها رئاسة مجلس الوزراء. قالوا إن سقوط صدام قد أنصفهم بعد سنوات طويلة من الظلم والاضطهاد، في إشارة إلى ضرب انتفاضة الشيعة وحظر حزب الدعوة وقتل واعتقال وتشريد عدد كبير من الأئمة والأسياد، من آل الصدر تحديداً ومن عائلة الحكيم.
صحيح أنهم ذاقوا الويل في عهد الديكتاتور صدام، ولكن إذا عدنا إلى ما سبق في تاريخ العراق الحديث، نجد أنهم لم يكونوا محرومين، كما قال عنهم الإمام موسى الصدر، ولم يكونوا مبعدين عن مناصب الدولة في العهد الملكي، الذي بدأ سنة 1921 وسقط عام 1958.
عند تتويجه ملكاً على العراق في 23 أغسطس/آب 1921، اختار الملك فيصل يوماً مقدساً عند المسلمين الشيعة في التقويم الهجري، المصادف 18 ذي الحجة، والذي فيه قام الرسول (صلعم) – وفق معتقدهم – بتسمية الإمام علي خليفة له، لا أبي بكر الصديق.
كان فيصل عروبياً في عقيدته، لا يفرق بين الأديان والطوائف، وقد تجلى ذلك خلال عهده القصير في سوريا (1918-1920)، عندما ذهبت الكثير من المناصب لشخصيات مسيحية مثل يوسف الحكيم وفارس الخوري وغيرهم ( هذا لا يغفل أن المناصب حق الجميع نسبة وتناسب ) .
تقرب فيصل من شيعة العراق كان أمراً طبيعياً بالنسبة لملك مسلم سنّي قادم من الصحراء العربية ليحكم بلاد غريبة عنه، غالبية سكانه من المسلمين الشيعة.
بعضهم وقف في وجهه بسبب ارتباطاته بالإنكليز، ولكن غالبية الشيعة بايعوه لأنه قرشي من آل البيت، شرط أن يحترم طقوسهم وعباداتهم ومرجعياتهم الدينية.
كان شيعة العراق قد انتفضوا سنة 1920 ضد الحكم البريطاني، بما عرف بثورة العشرين، وعانوا الويلات في السجون والمعتقلات، فأراد فيصل أن يعوضهم ويشعرهم بالأمن.
وكان أول من اجتمع معه فيصل وعرض عليه رئاسة الحكومة هو المرجع الشيعي محمد كاظم اليزدي، الذي رفض المنصب لأنه كان معارضاً للثورة العربية ضد العثمانيين، ولعلاقة فيصل بالإنكليز.
وقد سعى فيصل للحصول على بيعة كبرى الشخصيات الدينية من لحظة وصوله إلى البصرة قادماً من الحجاز، وفي مقدمتها أية الله مهدي الخالصي، أحد قادة ثورة العشرين.
كان الخالصي مثله مثل كاظم اليزدي معارضاً للثورة العربية الكبرى التي قادها والد الملك، الشريف حسين، معتبراً أن هدفها كان هدم الخلافة الإسلامية في إسطنبول.
زاره فيصل في داره ومد يده طالباً صداقة وتعاون. وفي المقابل، قدم له الخالصي البيعة، التي نشرت بالصحف العراقية يوم 13 يوليو/تموز 1921، شرط أن يكون حكم فيصل دستورياً، خاضع لمساءلة مجلس نواب منتخب.
وفي الحكومة الأولى التي شكلها جعفر باشا العسكري في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1923، عيّن الشاعر الشيعي محمد حسن أبو المحاسن (جد رئيس الحكومة العراقية الأسبق نوري المالكي ) وزيراً للمعارف.
كان أبو المحاسن من قادة الشيعة وممثلاً عن كربلاء في مجلس ثورة العشرين. ثم جاء بعبد المهدي المنتفكي (والد رئيس الحكومة العراقية الأسبق عادل عبد المهدي) وزيراً للمعارف سنة 1926، وبرستم حيدر (وهو من شيعة بعلبك)، رئيساً للديوان الملكي قبل تعيينه وزيراً للمالية والدفاع والاقتصاد، ثم سفيراً في إيران وفي عصبة الأمم.
وفي سنة 1929، عيّن بالسيد محمد الصدر (أحد أقرباء مقتدى الصدر)، رئيساً لمجلس الأعيان، وهو الذي أصبح رئيساً للحكومة العراقية في عهد الملك فيصل الثاني سنة 1948.
قضية أنيس نصولي
نأخذ على سبيل المثال فضية المُدرس اللبناني المقيم في العراق، أنيس نصولي، الذي اصطدم مع الطائفة الشيعية عند وضعه كتاباً مدرسياً عن العهد الأموي، فيه مديح كبير لمعاوية بن أبي سفيان، مؤسس دولة بني أمية، وتهجم على الإمام علي وأولاده.
اعترض الشيعة على هذا الكتاب وأمر وزير المعارف الشيعي، السيد عبد المهدي، بفصل أنيس نصولي عن معمله وترحيله إلى لبنان. خرجت مظاهرات مؤيدة للقرار، وأخرى معارضه له، فأمر الوزير بطرد كل الطلاب الداعمين للمدرس اللبناني. تدخل الملك فيصل لصالح الشيعة وتم سحب الكتاب من التداول المدرسي، مع إعادة كل الطلاب المفصولين.
كما وقف الملك مع الشيعة مجدداً عندما عارضوا قرار التجنيد الإجباري الذي حاول فيصل فرضه سنة 1927. كان شيعة العراق يشكلون العمود الفقري للجيش العراقي الوليد، ولكن معظمهم كانوا جنوداً وصف ضباط، أما ضباط الصف الأول فكان معظمهم من العرب السنة.
اشتكوا من هذا التمييز ضدهم، وقالوا إن قرار التجنيد الإجباري سيكون على حساب السواد الأعظم من أبنائهم (كان فيصل يريد رفع تعداد الجيش من سبعة آلاف إلى عشرون ألفاً).
وقد تراجع الملك عن قراره، نزولاً عند رغبة مرجعية الطائفة بعد زيارة قام بها إلى النجف وكربلاء. أبقى التجنيد اختياري لمن يرغب بحياة عسكرية، وأمر مدير المدرسة الحربية بأن يقبل شهادة الحوزة الدينية على أنها لا تقل عن شهادة جامعية.
هذه الأمثلة تحكي فصلاً من فصول التاريخ العراقي، وهي تتنافى مع خرافة المظلومية الشيعية في مرحلة ما قبل ثورة الخميني سنة 1979.
كان الحال ذاته في لبنان ما قبل حزب الله، وللتأكيد على ذلك دعونا نعود إلى أولى حكومات لبنان في عهد أول رئيس جمهورية، المحامي المسيحي شارل دباس.
عين على نصرت الأسد وزيراً للزراعة سنة 1926، تلاه أحمد الحسين في وزارة الأشغال العامة سنة 1927 وصبحي حيدر في وزارة المالية عام 1928.
عاد حيدر وزيراً في حكومة أغست باشا أديب، وعين أحمد الحسيني وزيراً للزراعة في حكومة أميل أده الأولى (وهو المتهم بالطائفية ضد المسلمين، شيعة وسنة).