ديسمبر 7, 2024

الكاتب : مازن أسماعيل الرمضاني

المقدمة

1.1. تحديد المفاهيم

يشكل مفهومي المستقبل والمشاهد , التي يفيد بهما عنوان هذا البحث, جوهر هذا البحث. لذا يعد تحديد المقصود بهما ضروريأ , لمنع الآلتباس في الفهم.

فاما عن المستقبل, فهو كلمة استمرت الشعوب تتداولها بكثافة عالية وعلى شتى الصعد والمناسبات, سواء كان هذا التداول واعيأ او غير ذلك.

ويفيد هذا التداول العالمي على معنى لغوي محدد يقترن بالغد. والغد على وفق تعريف قاموس اوكسفورد الحديث هو” الزمان القادم بعد الحاضر.”1 ويأخذ بهذا التعريف العديد من المستقبليين, هنا وهناك. فمثلا تقول المستقبلية الايطالية ماسيني انه” الزمان القادم”.2 واتساقأ مع ذلك , يرى, المستقبلي العربي وليد عبد الحي انه ” الزمان الآتي بعد الحال” 3

ونرى أن رؤية المستقبل كمجرد امتداد ألي لدورة الزمان:ماضي, حاضر, المستقبل, ينطوي على الغاء لقدرة الانسان على التحكم بمسار مستقبله وصناعته على وفق رؤية حضارية وارادة حرة واعية, سيما وأن مثل هذا الانسان هو الكائن الوحيد, الذي يتوافر على قدرة تجاوز الزمان الذي مضى, والزمان الذي يمضي, والاستعداد للزمان الذي سياتي, وبالتالي ,فالانسان, وكما يؤكد المستقبلي العربي حسن صعب, هو” … الذي يخترع المستقبل وليس المستقبل هو الذي يخترع الانسان.”4

واضافة الى ذلك ينطوي ادراك المستقبل بمعنى الزمان الاتي على تجريد شديد ويفيد بالتالي بالآمتداد اللانهائي للزمان, وهو الامتداد الذي يلغي فكرة تصنيفه الى أزمنة متعددة تتباين عن بعضها من حيث مدياتها. وعلى خلاف هذا مثل هذا التجريد يتجه كثير من المستقبليين الى الآخذ  بتصنيف خماسي لآزمنة المستقبل: قريب, مباشر ,متوسط, بعيد, وغير منظور.5

ويشير اتجاه متزايد من دراسات المستقبلات الى إن زمان المستقبل المتوسط ( من خمس الى عشرين عامأ  ) يكاد يكون لصيقأ بها. ويرد ذلك الى أن معطيات الواقع السائد لا تقبل التغيير الجذري خلال مديات المستقبل الماشر( عام واحد ), او القريب( الى خمسة اعوام ) , هذا فضلآ عن أن تسارع عملية تغيير العالم تستدعي الآخذ بنمط من التفكير بعيد المدى يمتد من زمان المستقبل المتوسط صعودأ.

وانطلاقأ من هذا الاتجاه, سينصرف هذا البحث الى تناول موضوعه خلال الزمان الممتد من عام 2015 إلى عام 2025

واما عن دالة مفهوم المشهد, فعلى خلاف جذوره اللغوية , والتي تفيد بمعنى السرد المكتوب لقصة محددة 6, يستخدمه مستقبليون بمعنى اخر. فمثلا قال المستقبلي الفرنسي, ميخائيل كودت: انه ” وصف لحالة مستقبلية يؤدي تطور الآحداث ابتداء من زمان سابق الى تبلورها في زمان لاحق”7. ويرى المستقبلي العربي ابراهيم العيسوي, انه” وصف لوضع مستقبلي ممكن, او محتمل, او مرغوب فيه(يتناول) ملامح المسار او المسارات التي يمكن أن تؤدي ( الى هذا الوضع )…انطلاقا من الوضع الراهن, او من وضع ابتدائي مفترض.” 8

ومن الدالة, التي يتفق عليها المستقبليون لمفهوم المشهد,سنطلق نحن ايضأ. فالمشهد , عندنا, هو إجتهاد علمي مشروط يعمد الى توظيف العلم والخيال سبيلآ لآستشراف المسارات البديلة التي سيقترن بها المستقبل, انطلاقأ من معطيات الماضي ومتغيرات الحاضر. وبهذا المعنى, يعبر مفهوم المشهد عن خارطة للطريق تصف كيفية تبلور بدائل المستقبل, هذا فضلا عن انه يفيد بنمط محدد من التفكير في المستقبل.

يتأسس هذا النمط على أدراك  يشير الى أن المستقبل لا يقبل الآنغلاق على صورة حتمية واحدة, وانما يتميز بالانفتاح على صور, بمعنى بدائل , متعددة, وقابلة للآاستشراف. ومن هنا يصار عادة الى استخدام كلمة المستقبل بدالة الجمع, اي المستقبلات .

ويعد مثل هذا الادراك بديلآ  لرؤية أفادت أن المستقبل ينشأ من الماضي ويكون محكومأ به وامتدادأ خيطيأ له, وأن كل المطلوب, كما يؤكد خير الدين حسيب, هو مجرد “…الكشف عنه فيما يشبه النبوءة التي يستسلم لها البشر.”9 وبحثنا هذا, مثل سواه, يأخذ برؤية المشاهد البديلة للمستقبل وليس بالرؤية الآحادية الحتمية له.

1.2 أهمية البحث

يكتسب موضوع هذا البحث أهميته من أهمية العراق ذاته. فالعراق دولة تتوافر على مقومات القدرة الذاتية والموضوعية على الفعل الهادف والمؤثر. لذا نرى أن بين حسن او سوء توظيف هذه المقومات, وقوة او ضعف العراق علاقة طردية قد تكون موجبة او تكون سالبة. فحسن التوظيف يفضي الى عراق يتميز بالفاعلية الداخلية النسبية بانعكاساتها الآيجابية على فاعليته الخارجية. اما سوء التوظيف فهو يؤدي الى انتفاء الفاعليتين الداخلية والخارجية معأ.

وتؤكد تجربة التاريخ في العراق ما تقدم. وابتداء لنتذكر ان احتلاله في عام 2003 يعد بمثابة الحد الفاصل بين مرحلتين أساسيتين: الآولى مرحلة الدولة الهادفة, والثانية مرحلة الدولة الفاشلة.

فاما عن المرحلة الاولى, والتي امتدت منذ حصل العراق على الاستقلال عام 1932 حتى عام احتلاله, باستثناء سنوات عقد 1958-1968, فلقد انطلقت حركته من رؤية حضارية لكيفية تحقيق المستقبل المنشود ضمن اطار المعطيات السائدة في وقته. ومن هنا نبع السعي الى بناء شروط الفاعلية الداخلية للعراق , وعلى شتى الصعد , ومن ثم توظيف مخرجاتها سبيلا لدعم فاعليته الخارجية.

واما عن المرحلة الثانية, والتي امتدت منذ عام 2003 ولا زالت مستمرة, فالسياسات التي اعتمدتها سلطة الاحتلال, والحكومات المتعاقبة, لم تؤد بالعراق الى التراجع الحضاري فحسب, وانما ايضأ الى ألتحول الى دولة فاشلة وفاسدة داخليأ وضئيلة التاثير, في الآقل, خارجيأ.

وانطلاقا من مخرجات واقع العراق, كدولة فاشلة وفاسدة, تنبع أشكالية هذا البحث.

1.3 أشكالية البحث

تفيد تجربة التاريخ الدولي ان أرتقاء الدول, بكافة مستوياتها, او تراجعها حضاريا يعد ظاهرةعالمية ممتدة عبر الزمان والمكان. وترد هذه الظاهرة الى مخرجات العلاقة الطردية الموجبة او السالبة بين نمو, او تأكل, القدرات الموضوعية والذاتية لهذه الدولة او تلك, وبين نوعية فاعليتها . او عدمها, على الصعيدين الداخلي والخارجي.

ويقدم العراق , بعد عام 2003 , دليلآ مضافأ على مصداقية قانون الحراك الدولي. فمخرجات السياسات , التي اعتمدتها سلطة الاحتلال متفاعلة مع تلك التي انطلقت منها الحكومات العراقية المتعاقبة, أدت بالعراق موضوعيأ الى حالة غير مسبوقة في تاريخه الحديث: انعدام الفاعلية الداخلية والخارجية في ان,وهو الآمر الذي جعل العراق في حالة مفترق للطريق.

أن استمرار هذه المعطيات الداخلية والخارجية , الى عام 2015 وإن سيجعل من مستقبل العراق امتدادأ اتجاهيأ لها, إلا أن واقع العراق لا يستطيع, خلال عقد من الزمان 2015-2025 , أن يكون بمعزل عن قانون التغيير والمستقبلات الناجمة عنه.

أن مخرجات تفاعل قانوني الآستمرارية والتغيير في العراق, خلال هذا العقد من الزمان, يفضي بالضرورة الى أقتران مستقبله بصور,اي بدائل, متعددة ومتنوعة. ولتحديد هذه الصور, سينطلق هذا البحث من فرضيات مختلفة .

1.4 فرضيات البحث

ينطلق هذا البحث من ثلاث فرضيات أساسية:

الفرضية الاولى:  تفاقم التردي الداخلي وضئالة التاثير الخارجي

أن امتداد تاثير التداعيات السلبية لعموم المعطيات العراقية, الداخلية والخارجية السابقة على عام 2015, الى عام 2025 متفاعلة مع ديمومة العجز عن ايجاد الحلول لآزمات العراق, سيفضي الى ان يكون مستقبله امتدادأ لها, وبمخرجات قد تفضي به اما الى أن يكون عمليأ  تابعأ  إلى إيران, أوينزلق إلى حرب أهلية تفضي لاحقأ إلى تقسيمه الى دويلات متصارعة على الارض, والموارد, ومنساقة وراء سياسات دول الجوار, أو في أحسن الاحوال استمرار النموذج اللبناني في العراق.

الفرضية الثانية: بداية الآرتقاء الحضاري في الداخل والفاعلية في الخارج

أن إقتران الواقع العراقي, خلال الزمان الممتد إلى 2025, بتحولات  كمية وكيفية, على المستويين الداخلي والخارجي سيدفع الى أقتران مستقبل العراق بمشهد يلغي المشهد الذي تفيد به الفرضية الاولى وبمخرجات ستفضي الى أن يبدأ العراق مجددأ  برحلة النهوض داخليأ والفاعلية خارجيأ وبمخرجات تمهد السبيل الى ان يكون قوة فاعلة في الخليج العربي خصوصأ, والوطن العربي عمومأ.

الفرضية الثالثة: ديمومة التردي النسبي  وبداية الآرتقاء داخليأ وخارجيأ

أن مخرجات تزامن أقتران الجسد العراقي بأختلالات هيكلية متعددة ومتنوعة متفاعلة مع تحولات كمية وكيفية ايجابية ستجعل مستقبل العراق مقترنأ بمشهد مركب يحمل خصائص المشهدين السابقين:تفاقم التردي وبداية الآرتقاء.

1.5 منهجية البحث

لآستشراف مشاهد مستقبلات العراق, والبرهنة على الفرضيات التي ,تتأسس عليها, سينطلق هذا البحث من مقاربة بناء المشاهد, التي تمت الآشارة اليها في اعلاه.

وانطلاقأ من أن هذا البحث لا يرى المستقبل منغلقأ على مشهد واحد وحتمي, وانما منفتحأ ومقترنأ بعدد من المشاهد, سيسعى كل مشهد الى استشراف مستقبلات العراق خلال اعوام 2015-2025 تبعأ لنوعية الفرضية التي يتأسس عليها.  ولنتذكر أن الحياة مثلما هي مفتوحة على شتى الآلوان, كذلك هو المستقبل مفتوح على شتى البدائل.

وأضافة الى ذلك, تجدر الآشارة الى أن كل من هذه المشاهد سيتم وصفها على وفق علاقتها بثلاث مستويات من التحليل في ان: فأما عن الآول, فهو يتناول تلك المعطيات و/او المقومات العراقية المؤثرة في هذه المشاهد . وأما عن الثاني, فهو ينصرف الى استقراء أنماط سلوك أربع قوى أقليمية حيال هذه المشاهد على أنفراد. وهذه هي   المملكة العربية السعودية, وايران, وتركيا, واسرائيل.  وأماعن المستوى التحليلي الثالث, فهو يجعل من أنماط السلوك الامريكي حيال هذه المشاهد ذاتها, محوره الآساس.

مشاهد مستقبلات العراق

2.1 مشهد تفاقم التردي الداخلي وضئالة التاثير الخارجي

ينطلق هذا المشهد المتشائم من فرضية, تمت الآشارة اليها في أعلاه,  قوامها فكرة أن المستقبل يعد أمتدادأ أتجاهيأ , كمأ ونوعأ, لحقائق الحاضر. ويجد هذا المشهد دعمأ له من مخرجات ثلاثة مستويات من المعطيات: عراقية, واقليمية, وامريكية.

2.1.1 المعطيات العراقية

منذ عام 2003 والجسد العراقي يعاني من اختلالات  هيكلية متعددة ومتنوعة. ومن بينها مثلا اختلالات سياسية واقتصادية وامنية مهمة. ولآن احتواء هذه الاختلالات كان يتطلب رؤية أستراتيجية واعية, وارادة مدركة, وفترة زمانية طويلة نسبيأ, أفضى أنتفائها الى استمرارها ممتدة الى عام 2025.

2.1.1.1 الاختلالات السياسية

يعترف صناع للقرار الامريكي بانتفاء الرؤية المسبقة لكيفية ادارة العراق بعد احتلاله. وبهذا الصدد تعترف مثلا السفيرة بربارا بودي بقولها: … لم تكن هناك خطة لآدارة العراق”10. وقد كان بديهيا أن يفضي ما تقدم الى اتخاذ قرارات امريكية خاطئة. وقد اعترف بها بول بريمر, الحاكم المدني الامريكي في العراق, قائل :ا” أن ادارة الولايات المتحدة للشأن العراقي كانت في حالة فوضى وأن اخطاء كثيرة قد ارتكبت.”11

أن هذه القرارات الخاطئة انطوت على مخرجات كان لها التاثيربالغ السلبية في نوعية تطور العراق بعد عام 2003. فهي لم تؤد بالمحصلة الى هدم ركائزدولة عمرها الحديث 82عامأ (1921-2003) , وتأسيس نظام سياسي قوامه ركائز غير ديمقراطية وحضارية تتنافى ومستلزمات بناء وادارة دولة معاصرة في القرن الحادي والعشرين.12

أن استمرار الحكومات العراقية, بعد ما سمي  بتسليم السيادة للعراقيين في عام 2005, على الانطلاق من ذات الركائز التي استعان بها المحتل, ادى الى أن يضحى العراق خلال الزمان السابق على تنحي رئيس مجلس الوزراء السابق, نوري المالكي , في عام 2014 عن وظيفته, أنموذجأ لفشل غير مسبوق في تاريخ العراق المعاصر.

ويتجسد هذا الفشل في أن العراق لم يعد مثلا  دولة هدف وانما دولة سلطة, ولا دولة مواطنة ومؤسسات وانما دولة مكونات طائفية وعرقية يتكرس فيها التناقض وبالتالي الصراع المذهبي وينتشر فيها التهميش والترهيب الطائفي, هذا فضلا عن أنه صار دولة تنتشر فيها ثقافة الفساد والآفساد المالي واالآداري والسياسي, ناهيك عن الآخذ بسياسة الآدارة بالآزمة سبيلا للتغطية عن العجز والفشل الداخلي والتبعية الخارجية

2.1.1.2 الاختلالات الاقتصادية

تفيد نوعية الدمار الذي نجم عن العمليات العسكرية الامريكية وسواها أن بها اريد تدمير البنى التحتية لنهوض العراق الاقتصادي. فمثل هذا النهوض وتحقيق دولة التنمية في العراق لم يكن اصلا هدفأ امريكيأ. ذلك خشية من أن يتحول العراق الى عملاق اقتصادي في الوطن العربي والشرق الآوسط, سيما وأنه يتوافر على الشروط الموضوعية والذاتية لمثل هذه العملقة.

ولا يلغي الهدف جراء تدمير العراق, أناطة ما سمي بعمليات أعادة الاعمار بالشركات الامريكية الكبرى, ومثالها بكتل. فهذه العمليات رمت اصلآ الى دعم الاقتصاد الامريكي, الذي يقول عنه الاقتصادي العربي رمزي زكي انه يعاني” … من ثالوث خطير في اركانه واثاره,هو:” عجز ضخم في الميزان التجاري, وعجز مستمر فب الميزانية العامة, فضلآ عن الانخفاض الحاد في الادخار.” 13

وعلى الرغم من هذه الشركات الامريكية ارتبطت مع العراق بعقود باهظة الكلفة, الا أن الواقع التنموي العراقي بعد عام 2003 لم يتماثل حتى مع ما كان عليه الحال خلال فترة الحصار 1991-2003. لذلك من المحتمل ان يبقى الاقتصاد العراقي خلال اعوام 2015-2025 مشلولا ومنهكأ. ولا يرد ذلك الى انخفاض واردات العراق المالية جراء انخفاض  اسعار النفط المصدر فقط, وانما الى تنوع الاختلالات الهيكلية الاقتصادية التي استمر العراق يعاني منها بعد 2003, ومنها مثلا توقف عملية التنمية, استشراء ظاهرة الفساد,تفاقم ظاهرة البطالة, تدهورالقطاعين الصناعي والزراعي, تخلف القطاعات الانتاجية والخدمية.14

أن الذي ادى الى ما تقدم هو عدم توافر العراق على رؤية اقتصادية واضحة الاهداف والاولويات. ولغيابها تحول العراق الى دولة مستوردة لكل شىء تقريبا. وهذا ينطبق حتى على الآمن الغذائي, الذي كان العراق قبل عام 2003 يتوافر على شبه اكتفاء ذاتي فيه. وجراء ذلك صار العراق من اكثر دول العالم استيرادأ للغذاء. 15

2.1.1.3 الاختلالات الآمنية

لقد عمدت سلطة الاحتلال حتى تاريخ انسحاب قواتها العسكرية من العراق نهاية عام  2011 الى محاولة احكام السيطرة عليه خصوصا بعد تفاقم المقاومة العراقية لها عبر تبني تلك الاستراتيجية , التي اعتاد المحتل عبر الزمان على استخدامها, هي استراتيجية فرق تسد.

ومن أجل ذلك عمدت الى تكريس أختلالات هيكلية أمنية في النسيج الاجتماعي العراقي عبرتوظيف أليات المحاصصة المذهبية والآثنية, وبضمنها أثارة الفتن والصراعات بين مكونات المجتمع العراقي.

أن تفاعل هذه الآليات مع مخرجات حل المؤسستين العسكرية والآمنية العراقية, وعدم توافر الارادة على استبدالهما بمؤسسات حرفية لضمان الآمن الداخلي والخارجي للعراق, افضى , داخليأ, الى بناء بيئة داعمة للتردي الآمني واستمراره. ومن هنا برزت ظاهرة المليشيات الطائقية, وانتشرت عصابات الجريمة المنظمة وغير المنظمة وبالتالي تحول العراق الى دولة الفوضى واللاقانون.

ولم يتغير الواقع الامني المتدهور في العراق بعد الانسحاب العسكري الامريكي من العراق. فالاشكالية الآمنية أستمرت متفاقمة دون أن تستطيع الاجراءات الحكومية الحد منها في الاقل. هذا لآن صانع القرار الآمني في العراق أتخذ من مضامين أنماط السلوك الامريكي حيال العراقيين عموما أنموذجأ لآنماط سلوكه اللاحق دون أن يتعلم الدرس منها, وهو أن المغالاة في استخدام القوة يؤجج الآشكالية الآمنية , ولا يساعد على حلها.

وبالاضافة الى ذلك, استمرت الآشكالية في العراق تجد دعمأ لها جراء مخرجات عدم أتخاذ أجراءات حكومية جذرية لتحقيق مصالحة وطنية حقيقية, تتماثل مع أنموذج جنوب افريقيا. ونفترض أن هذا أدى  الى أن تتكرس اقناعة لدى شرائح أجتماعية واسعة, مفادها أن إبقاء أزمات العراق, ومنها أزمة عدم الاندماج الوطني, دونما حل جذري, أنما يراد بها تأمين أحتكار أحزاب أسلاموية للسلطة السياسية. ومن هنا, أكد ,الامريكي الذي كان من دعاة الحرب على العراق, كينيث. م. بولك:” أن عدم توافر القيادة العراقية على القدرة والارادة لحل المشاكل التي تؤجج الانقسام السياسي في العراق, يدعم استمرارمشاكله.”  16

ولا تتقترن الآشكالية الآمنية العراقية في استمرارحالة عدم الاستقرار ومخرجاتها فحسب, وانما تجد دعمأ بالغ التاثير في تهديد ما يسمى بتنظيم الدولة, اي داعش. فهذا التنظيم يشكل تهديدأ جادأ لكيان ووحدة العراق.

وعلى الرغم من أن إحتلال” داعش” لاراضي عراقيىة شاسعة, يثير التساؤل عن الاسباب الحقيقية التي ادت الى ذلك, إلا أن عدم صمود القوات العسكرية العراقية امام ” داعش “في مدينة الموصل وسواها, وبصيغة غيرمسبوقة عراقيأ في الآقل, يفيد ان النظام السياسي, الذي نجم عن دستور عام 2005 ,لايوفر حتى مقومات الصمود امام تهدديات أمنية أنية.

وفي ضوء تاثير مخرجات مجمل الاختلالات الهيكلية اعلاه في الجسد العراقي, غني عن القول ان  إحتوائها,حتى وأن توافرت  الرؤية والارادة ,يحتاج  الى زمان طويل نسبيأ

2.1.2 المعطيات الاقليمية

تفيد خبرة التفاعلات الاقليمية أن نوعية أدراك الدول لمعطيات الواقع الداخلي لسواها ينطوي على تاثير بالغ الآهمية في انماط سلوكها. فهذه الآنماط حيال الدول الآقليمية المستقرة وذات القدرة على الفعل تختلف عن غيرها حيال الدول غير المستقرة والضعيفة.

ومنذ احتلاله, والعراق اضحى دولة فاشلة داخليأ, وضعيفة التاثير خارجيأ. وانطلاقأ من هذه الحقيقة تعاملت الدول الاقليمية الآكثر تاثيرأ مع العراق خلال سنوات 2003-2015. ولآ يرجح, بعد عام 2015 , أن  تتغير أنماط السلوك السياسي الخارجي لهذه الدول حيال العراق.

2.1.2.1 المملكة العربية السعودية

منذ احتلاله , والعراق يعد احدى الساحات الآقليمية التي استمرت محط تنافس أستراتيجي بين مشروعين متناقضين من حيث الهدف, هما المشروعين السعودي والايراني. فبينما يرمي الاول الى ضمان أمن الخليج العربي كجزء لا يتجزأ من الآمن القومي العربي, يسعى الثاني الى تأمين ايران كقوة اقليمية الاكثر تاثيرأ وبضمن ذلك مد هيمنتها الى الخليج العربي والبحر الابيض المتوسط.

وجراء هذا التناقض, ادركت المملكة العربية السعودية أن مخرجات احتلال العراق والانسحاب العسكري الامريكي منه نهاية عام 2011, فضلا عن الاتفاق حول البرنامج النووي الايراني قد رفد الخلل القائم في ميزان القوى بين دول مجلس التعاون الخليجي وايران ,لصالح الآخيرة, بعناصر مضافة. ومن هنا عمدت المملكة العربية السعودية خلال السنوات السابق على عام 2015 الى تبني اجراءات داخلية وخارجية للحدمن تفاقم هذا الخلل.

وقد كان العراق جزءأ من هذه الاجراءات. فأضافة الى توجه جل دول مجلس التعاون الخليجي الى اعادة وتفعيل علاقاتها وتفاعلاتها الدبلوماسية وغيرها مع العراق, كانت علاقاتها الوطيدة مع الولايات المتحدة الامريكية سبيلا مضافأ تم توظيفه للحد من حدة التماهي العراقي الرسمى مع ايران , وتوظيف الاخيرة للعراق بالنيابة عنها ولصالحها.

ويفترض هذا المشهد أن الحد من تعاظم النفوذ الايراني في العراق سيبقى من بين أولويات السياسة الخارجية الاقليمية السعودية خلال الفترة الزمانية لهذا البحث. ومرد ذلك مدخلان: اولهما, حرص المملكة العربية السعودية أن لا يفضي النفوذ الايراني المتزايد في العراق الى تهديد هويته العربية بعنصر مضاف,, خصوصأ وأن عملية جعل العراق فارسيأ لم تهدأ منذ عام 2003 , لا سيما في محافظاته الجنوبية والوسطى. وثانيهما, أن وجود دولة طائفية في العراق, وعلى الحدود الشمالية للمملكة العربية السعودية, يشكل تهديدأ أمنيأ جادأ. ولا يكمن هذا التهديد في امكانية اختراق مليشيات طائفية ايرانية التوجه والتبعية لهذه الحدود فحسب, وانما ايضأ في امكانية تاثر بعض مكونات المجتمع السعودي, ولاسيما في المنطقة الشرقية السعودية, بالحالة الطائفيةة السائد في العراق والاقتداء بها. ولنتذكر أن من بين الادوات المهمة, التي تستعين بها السياسة الخارجية الايرانية حيال الخليج العربي والمشرق العربي, اداة توظيف المذهب والخلايا النائمة سبيلا لتحقيق اهداف المشروع القومي الايراني.

2.1.2.2 ايران

في ضوء الفرضية الاساسية لهذا المشهد, ستعمد ايران الى توظيف معطياته لصالحها, وانها لذلك ستتحرك على ثلاثة مستويات اساسية:

فأما عن المستوى الاول, فهو يكمن في السعي الى تكريس مكاسبها المتحققة, وترسيخ نفوذها في العراق عبر أليات متعددة, منها الاستفادة من اثر المصالح المشتركة والوطيدة بينها ومعظم النخب السياسية الحاكمة, وجلها من القوى الحليفة لها, فضلا عن توظيف مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية المنتشرة في العراق, ناهيك عن استثمار إلية عمل النظام السياسي العراقي, الذي ساهمت هي ايضأ في تشكيله وترسيخه.

وأما عن المستوى الثاني, فمفادها أن ايران ستعمل على ضبط تطور العلاقات العراقية –العربية على وفق تطور طبيعة علاقاتها مع الدول العربية, تعاونأ او صراعأ, هذا تأمينأ لانسياق العراق وراء سياساتها الاقليمية.

وأما عن المستوى الثالث, فهو يعبر عن نزوع ايران الى تجنب أي صراع مع الولايات المتحدة الامريكية, تأمينا لمصالحها المتححقة في العراق, وحفاظأ على علاقتها الجديدة معها والناجمة عن الاتفاق النووي بينها ودول 5+1

أن تجاح ايران في توظيف معطيات مشهد تفاقم التردي الداخلي وضئالة التاثير الخارجي لصالحها, سيؤسس لتلك المعطيات التي ستجعل علاقة العراق بايران حتى عام  2025 علاقة تبعية بامتياز.

2.1.2.3 تركيا

تفيد اتجاهات السياسة الخارجية التركية حيال العراق انها تطلعت الى بناء علاق وطيدة واياه سبيلآ لتحقيق مصالح اقتصادية, تكمن في الارتقاء بميزان التبادل التجاري بين البلدين لصالحها, وكذلك مصالح سياسية تتمحور حول تبني الآقلية التركمانية في العراق, فضلآ عن الحيلولة دون اعلان أقليم كردستان دولة مستقلة, هذا لآن مثل هذه الدولة قد لا تدفع باكراد تركيا الى مجرد المطالبة بحق تقرير المصير, وأنما ايضأ الى القيام بأفعال تهدد الوحدة الكيانية لتركيا.

ومن هنا يفترض هذا المشهد أن لتركيا مصلحة في عدم تحول العراق الى دولة غارقة في الفوضى والصراع الطائفي .ومن هنا يفترض هذا المشهد أن تركيا ستعمد الى توظيف علاقاتها الوطيدة نسبيأمع المكونات الاجتماعية العراقية”…للآسهام في تشكيل مستقبل العراق…”17, كما قال داود اوغلو, وزيرالخارجية التركي في وقته.

بيد أن هذا المشهد بفترض ايضأ أن تركيا ستعمل جاهدة دون أن تفضي مخرجاته الى أن يتحول العراق الى دولة تابعة لايران.فمثل هذا التحول من شأنه اعلاء المكانة الاقليمية لايران على حساب المكانة الاقليمية لتركيا ومصالحها العليا. ولنتذكر أن العراق كان أحد الساحات الاساسية للصراع بين العثمانين والفرس في سابق الزمان, ولازال كذلك.

2.1.2.4 اسرائيل

على الرغم من أن اسرائيل ليست من بين دول الجوار الجغرافي المباشر للعراق, بيد انها كلاعب اقليمي يرتبط بالولايات المتحدة الامريكية بعلاقة خاصة, تبقى معنية بالشأن العراقي حاضرأ ومستقبلآ, مثلما كان الحال في الماضي , هذا سبيلا لضمان مصلحة اسرائيلية مهمة, هي أن لا يعود العراق مرة اخرى, ومثلما كان قبل 2003 ,ليشكل تهديدأ أمنيأ جادأ للآمن الاسرائيلي. لذا يرجح أن يفضي مشهد تفاقم التردي الداخلي وضئالة التاثير الخارجي الى مخرجات تؤمن تحقيق هذه المصلحة.

كذلك يتيح هذا المشهد فرصة مهمة لاسرائيل لتوظيف علاقتها مع الولايات المتحدة الامريكية من أجل ترتيب تلك الظروف في العراق التي تساعد على أن يبدأ عرب العراق بالتحول من حالة العداء لاسرائيل الى حالة القبول بها, كأحد حقائق الامر  الواقع في الشرق الاوسط, هذا سبيل ايضأ لتطوير الوجود الاسرائيلي في العراق من طبيعته الراهنة وغير المعلنة الى اخرى معلنة. وقد سبق لفهمي هويدي أن تناول هذا الوجود قائلآ” …أن هذا الوجود كالفيل في الغرفة. فالجميع يدرك وجوده, إلا انهم لا يستطيعون رؤيته.”18

وغني عن القول أن الاعتراف العربي باسرائيل وتبادل العلاقة العلنية واياهم يعد من بين اهم أولويات السياسة الخارجية الاسرائلية حيال العرب.

كذلك تتيح معطيات هذا المشهد لاسرائيل الاستمرار في ابقاء العراق دولة غارقة في الفوضى, سيما وأن العراق الضعيف وغير الفاعل يلغي, ولفترة طويلة قادمة, عودة العراق الفاعل والمؤثر اقليميأ. ومن هنا يعد محتملا ان تتبنى اسرائيل مجموعة من السياسات خدمة لهذا الهدف.

فأضافة الى توظيف إليات سرية لتكريس حالة الفوضى والصراع الطائفي والعرقي في العراق,يعد توظيف  جماعات الضغط الاسرائلية في الولايات المتحدة الامريكية لتعطيل صفقات التسليح الامريكي للعراق أداة مهمة مضافة, خصوصأ عندما تدرك اسرائيل أن هذه الصفقات تتجاوز الخطوط الحمراء للآمن الاسرائيلي.

2.1.3 المعطيات الامريكية

لقد أدت مخرجات انتهاء الحرب الباردة متفاعلة مع الحرب على العراق عام 1991 الى بروز الولايات المتحدة الامريكية كقوة عظمى وحيدة ولزمان قادم طويل نسبيأ.ويدعم ما تقدم معطيات داخلية وخارجية مهمة. فداخليأ, تتوافر الولايات المتحدة الامريكية على ركائز الفعل الدولي الهادف والمؤثر: قدرات اقتصادية ومعرفية وعسكرية غير مسبوقة لحد الآن. اما خارجيأ, فالواقع الدولي لم يزل يتسم بأستمرار غياب تلك القوة الدولية القادرة والراغبة في اداء دور دولي يتماهى والدور السوفيتي السابق خلال الحرب الباردة, هذا فضلآعن حرص قوى دولية صاعدة كالصين والهند والمانيا على الآرتقاء بتعاونها مع الولايات المتحدة الامريكية الى افاق ارحب, وبضمنه تجنب الصراع واياها.

أن المكانة الدولية التي تحظى بها الولايات المتحدة الامريكية حاليأ, لا تعني انها,كسواها  من القوى العظمى عبر التاريخ , لن تتردد عن تكريس هذه المكانة عبر مستويين مهميين: اولهما, الحد من تاثير الآختلالات الهيكلية لجسدها القومي على فاعلية حركة سياستها الخارجية. وثانيهما, توظيف الفرص الخارجية الداعمة لدور دولي فاعل ومؤثر.

ومن بين هذه الفرص العلاقة الامريكية- العراقية بعد عام 2003. فهذه العلاقة, التي انتقلت جذريأ من خاصية الصراع شبه الدائم خلال اعوام 1968-2003 الى خاصية التعاون المنساق بعد عام 2003, تجد فيها الولايات المتحدة الامريكية فرصة مهمة داعمة لديمومة تربعها على قمة الهرم الدولي. ومما يساعد على ذلك نوعية الادراك الامريكي لدلالات الآهمية الجيواستراتيجية والاقتصادية للعراق.

ويفترض هذا المشهد أن ديمومة التردى والتراجع في العراق سيسهل على  الولايات المتحدة الامريكية توظيف مخرجاته لصالحها, سيما وأن مضامين اتفاقية الاطار الاستراتيجي النافذه منذ 2005 بين الدولتين قد جعلت العراق في وضع يدفع به الى الآخذ بانماط من السلوك حيال الولايات المتحدة الامريكية تشكل مجازأ اضلاع مثلث منغلق:

فأما عن الضلع الاول, فمفاده تلك المساعدات التي يحصل عليها العراق جراء هذه الاتفاقية, والتي لنوعية أهميتها لاتسهل انفكاكه من علاقته مع الولايات المتحدة الامريكية.وأما عن الضلع الثاني, فهو يؤشر تجنب العراق إستعداء هذه الدولة العظمى وتحديها, ادراكأ منه لعدم قدرته على تحمل اكلاف مثل هذا السلوك. وأما عن الضلع الثالث, فهو يعد بمثابة النتيجة لما تقدم, اي الحرص على أدامة علاقة التعاون مع الولايات المتحدة الامريكية والارتقاء بها, سيما وأن هذه الدول العظمى تعد ,جراء اتفاقية الاطار الاستراتيجي, الضامن الاساس للآمن العراقي.

وعلى الرغم من أن العلاقة الوطيدة بين العراق وايران قد تفضي الى نوع من التوتر في العلاقة العراقية- الامريكية, الا أن تحول العلاقة الامريكية-الايرانية خلال زمان 2015-2025, من الصراع الى التعاون, سينطوي على دعم مضاف للعلاقة  العراقية-الامريكية.

وعلى الرغم من أن الافتراض المركزي لمشهد تفاقم التردي الداخلي وضألة التاثير الخارجي يفيد أن الواقع العراقي حتى عام 2025 سيقترن بمعطيات لا تساعد مخرجاتها على احداث التغيير الحضاري في هذا الواقع, وبالتالي استمرارالعراق خارج عملية صناعة التاريخ, بيد أ ن هذا المشهد لا يلغي أستمرار مؤسسات المجتمع المدني, وكذلك الرأي العام المتنور في المطالبة بالاصلاح الشامل والجذري في الواقع العراقي, انطلاقأ من أن الشعب العراق هو صاحب المصلحة الحقيقية في مستقبل مشرق أمن ومرفه.

وكذلك لا ينفي هذا المشهد تماهي صناع للقرار العراقي مع مطالب الاصلاح الشامل والجذري , ولكن عبر أستجابات ستعمد الى تغليب المظهر على الجوهر قوامها قرارات تفتقر اصلا الى ارادة التنفيذ,أو افعال لا ترتقي الى مستوى التحديات.

لذا أن تراكم معطيات التردي والتخلف وبالتالي الانكشاف, في العراق خلال فترة الاستشراف ستلغي أمكانية أن يعود العراق دولة مستقرة وعلى طريق النمو داخليأ, وقوة اقليمية مؤثرة وفاعلة خارجيأ.

2.2 مشهد الارتقاء في الداخل والفاعلية في الخارج

أتساقأ مع الفرضية الثانية لهذا البحث, يتناقض هذا المشهد المتفاءل مع تلك الفرضية التي أسست للمشهد الاول, ويستهدي بفكرة مفادها أن المستقبل يعد محصلة لمخرجات عمليات تغيير شاملة وجذرية في الحاضر.

أن سحب هذه الفكرة على العراق يفيد ان مستقبله سيكون محصلة لرؤية حضارية تكوينية مفادها أن العراق يستطيع, جراء نوعية قدراته الموضوعية والذاتية,إعادة هيكلة واقعه الداخلي والارتقاء به , وعلى النحو الذي سينعكس ايجابأ, وبالضرورة, على فاعليته خارجيأ.

وأتساقأ مع ما تقدم , يفترض هذا المشهد أن العراق قد عمد, خلال سنوات ما قبل عام 2025, الى الآخذ بسياسات عامة تتميز بأهداف طموحة وإليات كفؤءة سبيلآ لبناء مقومات القدرة على الفعل الهادف والمؤثر داخليأ وخارجيأ, وأن مخرجات هذه السياسات قد أفضت في عام 2025 الى أن تبدأ معطيات الحداثة والارتقاء على الصعيد الداخلي, والفاعلية على الصعيد الخارجي بالتبلور ومخرجاتها بالتراكم.

بيد أن هذا المشهد يفترض أيضأ أن هذه السياسات ما كانت تستطيع أن تفضي  الى معطيات الحداثة والفاعلية, لو أن مدخلين أساسيين كانا غائبين, هما قيادة, وواقع اجتماعي يتميزكل منهما بخصائص خاصة.

فأما عن القيادة, فيقصد بها تلك القيادة السياسية , التي وصلت الى قمة الهرم السياسي العراقي سواء عبر الانتخاب, او الانقلاب, او الثورة, او غير ذلك, والتي تتوافر على عقائد فلسفية وادائية  تتيح لها التخطيط للتغيير الشامل والحقيقي في العراق, وترجمته الى معطيات موضوعية.

واما عن الواقع الاجتماعي, فهو يفيد ببروزكتلة بشرية واسعة الحجم في المناطق الحضرية,تتميز بحضاريتها وتعلمها وعملها, وتتخذ من الآصالة والحداثة مدخلآ للتعامل مع معطيات الواقع العراقي, ولا تتردد عن المطالبة بأحداث التغيير الحقيقي الشامل في العراق , ولا كذلك عن ايقاع التاثير الجاد في انماط سلوك صناع القرار تأمينأ لمطالبها.

2.2.1  المقومات العراقية

في ضوء مضمون هذا المشهد, تتشكل هذه المقومات من نوعين اساسيين: مقومات متغيره , واخرى ثابتة. فبينما ترتبط الاولى بالمقوم الجيواستراتيجي للعراق, وكمية ونوعية موارده الآولية, تتعلق الثانية بالمقومين الاجتماعي والعسكري.

2.2.1.1  المقوم الجيواستراتيجي

غني عن القول ان الحقيقة الجغرافية لهذه الدولة او تلك ترتب الآخذ بانماط من السلوك تكاد تكون ثابته سواء على صعيد أستراتيجيتها العسكرية, او حركة تجارتها الدولية وعلاقاتها الاقليمية, هذا فضلا عن دورها في تحديدها لنوعية المعطيات الاقتصادية والسكانية للدولة, وبالتالي على تحديد لجانب مهم من قدرتها على الفعل.

والشىء ذاته ينسحب على العراق.

وجيواستراتيجيأ, يقع العراق في قلب ذلك المربع الاستراتيجي , الذي يشمل مناطق الخليج العربي وشمال غرب اسيا ووسط اسيا, فضلآ عن الشرق الاوسط.19 ولآهمية موقعه, ذهب عدد من رواد الاستراتيجية في العصر الحديث الى ايلاءها مكانة متميزة في نظرياتهم. فمثلا وضع  الاستراتيجي هالفرد ماكندر( 1861-1947) العراق ضمن منطقة الهلال الداخلي في نظريته المسماة قلب الارض . وتتلخص هذه النظرية في أن من يسيطر على منطقة الهلال الداخلي يسيطر على قلب الارض , ومن يسيطر على قلب الارض يسيطر على قلب العالم . 20

وعلى الرغم من أن نوعية جغرافية العراق تنطوي على تاثير يتحدد مضمونه على وفق الواقع العراقي الداخلي, ضعفأ او قوة. فهذا التاثير يكون سالبأ عندما يكون العراق ضعيفأ, او يكون موجبأ عندما يكون العراق قويأ وقادرأ على الفعل.

لذا يفترض هذا المشهد أن العراق قد نجح  في عملية أعادة بناء وتطوير قدراته على الفعل وتوظيفها, سواء بالترغيب أو الترهيب,لآغراض متعددة, ولاسيما منع دول الجوار من توظيف غبن جغرافية العراق, كدولة شبه برية21,لآغراض الابتزاز السياسي. هذا فضلا عن توظيف البعد الايجابي لموقعه الجيواستراتيجي لتأمين تعاون تلك الدول ذات المصالح في عموم منطقة الشرق الاوسط, خدمة لمصالح مشتركة.

2.2.1.2  المقوم الاقتصادي

العراق , دولة غنية في مواردها الطبيعبة. ويعد متفقأ عليه أن قيمة الموارد الطبيعية عمومأ لا تكمن في مجرد توافرها بوفرة, كمأ ونوعأ, وانما اصلآ في استثمارها وطنيأ, فضلآ عن توظيف عوائد هذا الاستثمار لآغراض دعم التنمية بعنصر ديمومتها.لذا ينطوي انتفاء مثل هذا الاستثمار على الغاء قيمة الموارد الطبيعية.

وعلى خلاف سنوات 2003-2015, يفترض هذا المشهد أمران أساسيان: فأما عن الاول,فهو أن العراق قد عمد الى استثمار موارده الطبيعية, كالنفط والغاز والفوسفات والكبريت توظيفأ امثل, أنطلاقأ من خطة تنموية عشرية, تتوزع على على خطتين خماسيتين لاحتواء الاختلالات الهيكلية في الجسد الاقتصادي العراقي والارتقاء به الى افاق أرحب.

واما عن الامر الثاني,فهو أن العراق قد تبنى استراتيجية الانفتاح الاقتصادي على الدول المتقدمة, وتلك السائرة في طريق النمو , سبيلآ مضافأ لتطوير العلاقة واياها, ويؤمن أيضأ توظيف هذه الدول خدمة لمتطلبات التنمية المستدامة في العراق, هذا فضلآ عن الحد من تحكم الولايات المتحدة الامريكية في المعادلة الاقتصادية العراقية- الامريكية.

ويفترض هذا المشهد أن هذه الآليات  وسواها لم تؤد الى الحد في الآقل من تاثير الآليات التقليدية للتبعية الاقتصادية وسمات الاقتصاد الاحادي الجانب فحسب, وانما الى حالة تؤسس لتكرار النموذج التنموي الماليزي في العراق.

2.2.1.3 المقوم الاجتماعي

في عالمنا المعاصر, قليلة هي الدول التي تحتضن قومية واحدة و/او ديانة واحدة. فالتنوع القومي والديني خاصية يتميز بها هذا العالم. والشىء ذاته ينسحب على العراق.

وعلى خلاف اعوام 2003-2015 ,التي تميزت بعمق أزمة عدم الاندماج الوطني  واثار مخرجاتها السلبية على  النسيج الاجتماعي العراقي جراء السياسات التي اعتمدها المحتل الامريكي والاقتداء بها من قبل الحكومات المتعاقبة, يفترض هذا المشهد أن العراق أتجه الى الآخذ  بسياسات أجتماعية رمت الى تحقيق تلك المطالب , التي لم تجد خلال سنوات  2003-2025 أستجابة لها, ولاسيما مطالب  تعديل الدستور العراقي وبما يفضي الى اعادة بناء العراق ونظامه الاجتماعي- السياسي على نحو يؤمن, مثلا,  الالتزام بعملية ديمقراطية حقيقية ,ويحقق العدالة الاجتماعية  , ويلغي المحاصصة  الطائفية والاثنية , ويضمن سيادة القانون والالتزام بحقوق الانسان وحرياتة.

ويفترض هذا المشهد أن نجاح صناع القرار العراقي في بناء تلك الاسس التي تمهد لبيئة أجتماعية متجانسة نسبيأ, سيجعل العراق ينعم بحالة من الاستقرار الداخلي ينعكس أيجابأ على مجما أنماط حركته الداخلية والخارجية بما يدعمها. ولنتذكر أن الاستقرار المجتمعي كان دائمأ مدخلآ اساسيأ للارتقاء الحضاري.

2.2.1.4 المقوم العسكري

لقد عمدت الولايات المتحدة الامريكية خلال عملية غزوها واحتلالها للعراق الى تجريده من قدرته العسكرية عبر تدميرها وحتى تلك الاسلحة التي كانت صالح للاستخدام. وجراء ذلك تحول العراق الى دول أضحت حتى أضعف دول الجوار العراقي, بغض النظرعن تلك القادرة منها, على تهديدها.22

وقد أريد بتدمير المؤسس العسكرية العراقية أن يفضي الى تكريس التبعية الآمنية العراقية على الولايات المتحدة الامريكية ,فضلآ عن  اختزال مصادر دعم العراق بالسلاح بمصدر امريكي واحد سبيلآ لدعم تجارة تصديرها للسلاح الى دولة راغبة وقادرة على دفع أثمانه.

وعلى الرغم من تزود العراق بالسلاح الامريكي , إلا أن ذلك لم يلغ أستمراره دولة ضعيفة بالمقارنة مع كافة دول الجوار العراقي. وقد سبق تاكيد ذلك من قبل رئيس اركان الجيش العراقي, الفريق بابكر زيباري, بقوله:” …لن يكون بمقدور العراق حماية حدوده واجوائه لغاية عام 2020…”23 .وقد اكد ايضأ أحتلال “داعش” لمدينة الموصل وسواها أن الجيش , الذي تم أعادة تشكيله خلال ما بعد عام 2003 لم يكن سوى مؤسسة فاسدة, تفتقر للعقيدة العسكرية  والقيادات المؤهلة , يتوزع ولاءها على الاحزاب السياسية الى شاركت بمليشياتها على تشكيلها.

وخلافأ للواقع العسكري للعراق خلال اعوام 2003-2015 يفترض هذا المشهد ان القيادة العراقية قد ادركت أن عالم اليوم قد يشفق على الضعيف, بيد أنه  لا يحترمه. وتبعأ لمثل هذا الادراك, يفترض هذاالمشهد ان العراق قد انغمس في اعادة تشكيل المؤسسة العسكرية العراقية على اسس علمية ومهنية, وبعقيدة عسكرية وطنية, فضلا عن تطوير اساليب تدريبه وتعبئة قدراته, وزيادة تشكيلاته, وامداده بالسلاح المتطور من مصادر متنوعة ومتعددة, وبمحصلة جعلت العراق يتوافر على قدرة عسكرية ضاربة كما ونوعا.

ويفترض هذا المشهد ايضا ان النمو المتسار في القوة العسكرية العراقية انما جاء نتيجة للتفاعل الايجابي بين واقع سياسي واجتماعي مستقر نسبيا, وقدرة مالية عالية نسبيا, ورؤية واضحة لكيفية توظيفها لاغراض بناء القدرة على الفعل الهادف والمؤثر ضمانا للامن الداخلي والخارجي للعراق.

2.2.2 المعطيات الاقليمية

على خلاف كيفية تعامل القوى الاقلمية مع العراق انطلاقا من مضمون مشهد تفاقم التردي الداخلي وضئالة التأثير الخارجي, يفترض مشهد الارتقاء في الداخل والفاعلية في الخارج ان التغيير الذي اقترن به واقع العراق دفع بهذه القوى الى ان تتعامل مع العراق على نحو اخر.

2.2.2.1 المملكة العربية السعودية

يفترض هذا المشهد ان قيادة العراق من قبل حكومة لا تغلب الانتماء الطائفي على الانتماء الوطني, دفع بالمملكة العربية السعودية الى التحرك بأتجاه العراق, سواء بجهد منفرد او عن طريق الولايات المتحدة الامريكية بأعتبارها دولة شقيقة لها وللعراق لدفعه الى الارتقاء بعلاقاته مع دول الخليج العربي والانغماس الفاعل في التفاعلات الخليجية.

وهنا لنتذكر ان تطبيع العلاقات العراقية- الخليجية والارتقاء بها تدعمه معطيات مهمة كوحدة الثقافة والهوية والانتماء والدين فضلا عن معطيات الجغرافيا والتاريخ.

وفي ضوء العلاقات العراقية-الخليجية الايجابية التي سيفضي اليها هذا المشهد, فأن الدولة التي ستقود عملية تطوير هذه العلاقات ستكون بالضرورة المملكة العربية السعودية, هذا لأهمية قدراتها ودورها. ان عملية التطوير هذه ستتم على وفق مقاربه, كان المستشار الالماني بسمارك رائدها, مضمونها ان الحرص على التطوير التدريجي للعلاقة المتبادلة بين احدى الدول وغيرها الى المستوى الذي يجعلها لاحقا تستوي والضرورة القصوى لأطرافها, سيجعل الفكاك منها ينطوي على خسارة غير مقبولة لاهذه الاطراف, وبمحصلة تفضي الى ديمومتها.

ويفترض هذا المشهد ان الاخذ بمثل هذه المقاربة سيؤدي الى ازدهار فرص التنمية والتكامل بين الدول العربية في منطقة الخليج العربي, فضلا عن رفد نزوعها الى ضمان امنها الاقليمي برافد مهم مضاف.

2.2.2.2 ايران

كأحد اهداف استراتيجيتها بعيدة المدى حيال العراق عمدت ايران, بعد الاحتلال في عام 2003, الى ان لايعود العراق مستقبلا الى ان يشكل تهديدأ استراتيجيأ لها 24, جراء اما نجاحه, او حتى فشله, في اعادة البناء الداخلي والارتقاء بالمكانة الاقليمية.

فهذا النجاح, اوحتى الفشل, لا يخدمان المصالح الايرانية العليا. فأما عن النجاح فأنه يفيد ان  عراقا يقوده صناع للقرار من غير حلفاء ايران, حتى وان اشترك هؤلاء مع الايرانيين في المذهب, لن يكون دولة تدور في فلك السياسة الايرانية 25, وانما دولة تتعامل مع سواها على وفق متطلبات مصالحها العليا, اما اقترابأ او ابتعادأ, وما عن الفشل فهو يجسد الخشية من انتقال أزمات العراق الى الداخل الايراني, خصوصا وان معطيات هذا الداخل, ولا سيما التعددية القومية والدينية وما يصاحبها من مطالب, لا تجعله عصيا على التأثر بما يجري في جواره الاقليمي. وبهذا الصدد لنتذكر ان معطيات عالم اليوم لم تعد تسمح للحدود السياسية بين الدول أن تكون حائلا دون تفاعل الشعوب, سلبا وايجابا.

ومن اجل أن لا يشكل عراق مابعد 2003 تهديدأ سياسيأ و\او عسكريأ لايران, نبع حرصها على تأمين وصول حلفائها الى قمة الهرم السياسي في العراق وديمومة تربعهم عليه, وذلك عبر تغذية هؤلاء بالامكانات من ناحية وتشجيع عملية التفاهم في ما بينهم من ناحية اخرى.26

وقد اضحى معروفا أن ادارة العراق عبر حكومة موالية لايران جعلت منه مرتكزأ اساسيأ لضمان مصالحها الاقتصادية, والثقافية-المذهبية, وعمقا استراتيجيأ كانت تفتقر اليه, فضلا عن تحوله الى بوابة يمتد من خلالها النفوذ الايراني الى الخليج والمشرق العربي.

وعليه يفترض هذا المشهد أن مضمونه وتداعياته تتقاطع مع نزوع ايران الى أن يبقى العراق ضعيفا. ومن هنا, من المستبعد ان تنظر ايران  براحة لمعطياته الايجابية, خصوصا وأن هذه المعطيات تفيد بفرصة تاريخية لآعادة بناء العراق على نحو جديد يفضي به الى ان يكون مستقرأ داخليأ وفاعلا خارجيأ.

وانطلاقأ من أن ماضي العلاقة العراقية-الايرانية يؤشر أن ايران استمرت تعاني من عقدة تاريخية  حيال العراق, وان هذه العقدة تتفاعل مع رؤية ثقافية تؤجج الآنا الايرانية, يفترض هذا المشهد أن عودة العراق الى حالة الفاعلية سيدفع بأيران الى أن تتبنى حياله سياسة تنطلق من مصالح متعارضة ومتماثلة في ان, وهو الامر الذي سيجعل من العلاقات المتبادلة تقترن بخصائص الصراع والتعاون من ناحية, وتستند على أساس من التكافؤ النسبي, الذي استمرت بعد عام 2003 تفتقر اليه من ناحية اخرى.

2.2.2.3 تركيا

وعلى خلاف تداعيات مشهد التردي الداخلي وضئالة التأثير الخارجي, يفترض مشهد الارتقاء في الداخل والفاعلية في الخارج ان معطياته ستدفع بتركيا الى التحرك على العراق عبر عدة مستويات: فأما عن الاول, فهوسيقترن بالسعي الجاد الى الارتقاء بعلاقاتها مع العراق, التى ستضحى جراء استعداد العراق للشيء ذاته, خلال اعوام 2015-2025 اكثر عمقا وانتشارا.

واما عن الثاني, فقوامه التعاون مع دول الجوار وسواها من اجل ترسيخ الاستقرار الاجتماعي والامني والسياسي للعراق بما يؤدي الى ديمومته. فمثل هذا الاستقرار, متعدد المستويات, يؤمن لتركيا مصالحها الاقتصادية والسياسية والامنية المنشودة في العراق.

واما المستوى الثالث, فهو التعاون مع دول عربية اخرى من اجل تشجيع العراق على المضي في تبني انماط من الحركة السياسية الخارجية المستقلة عن السياسة الاقليمية الايرانية, فضلا عن دعم تطلعاته نحو علاقات اقليمية متطورة ولكن متوازية.

واما عن المستوى الرابع, فهو يكمن في توظيفها لعلاقاتها المتطورة مع كل من العراق والولايات المتحدة الامريكية من اجل الحد من تأثير تلك المدخلات التي قد تفضي بالعلاقة العراقية-الامريكية الى التراجع, ادركا منها أن هذا التراجع سيعود بالفائدة على السياسة الايرانية حيال تركيا.

2.2.2.4 اسرائيل

على الرغم من أن بقاء العراق ضعيف داخليا يعد مصلحة اسرائيلية مهمة, الآان تحوله من دولة الصراع الطائفي وعدم الاستقرار الى دولة تتجه الى التمتع بمزايا حالة معاكسة يحقق لاسرائيل فوائد تعد هي الاخري مهمه.

لذا يفترض هذا المشهدأان اسرائيل هي الاخري ستعمل الى التماهي الايجابي, ضمنا في الاقل, مع رؤى الدول العربية وتركيا بشأن مخرجات بداية الارتقاء الحضاري في العراق, وعلى النحو الاتي مثلا: اولا: ان اتجاه العراق الى تبني التوازن في سياسته الاقليمية ينطوي بالضرورة على الحد من قدرة ايران توظيف امكانات العراق خدمة لاهداف مشروعه القومي, وهو الامر الذي يضفي على ايران تحمل اعباء عالية مضافة قد تدفع في حالة استمرار تحمل هذه الاعباء الى ابطاء سعيها نحو تحقيق اهداف مشروعها.ولنتذكر أن بين التوسع والقدرة على تحمل الآكلاف الباهضة علاقة سلبية.

ثانيا:أن اتجاه العراق الى الاستقرار يلغي احتمال انتقال مخرجات حالة الفوضى فيه الى دول الجوار, سيما وأن الواقع الداخلي لهذه الدول لا يخلو من تلك المسببات التي تجعل من عدم استقرارها المجتمعي محتملا.

وعلى الرغم من أن زعزعة استقرار دول عربية يصب في خدمة اهداف المشروع الاقليمي الاسرائيلي, الا انه, في الوقت ذاته, ينطوي على تهديد استقرار الاردن, الذي ترى فيه اسرائيل انه يشكل “…الحزام الفاصل بين اسرائيل والهلال الشيعي الايراني…”27

2.2.3  المعطيات الامريكية

منذ زمان, والعالم يمر بعملية تحول تاريخية فريدة في سرعتها, وشاملة وعميقة في تاثير ابعادها, فضلآ عن أنفتاح نهاياتها على عدة مشاهد مستقبلية ممكنة او محتملة بديلة, هي عملية تغيير العالم, كما اسماها المفكر العربي انور عبد الملك في وقته.28

أن هذه العملية افضت الى مخرجات مهمة, ابرزها الرفض الدولي, ضمنأ اوصراحة, للهيكلية الاحادية للنظام السياسي الدولي. فنمو قدرات اعداد من الدول, ولاسيما تلك السائرة في طريق الارتقاء بقدراتها على الفعل الى مستوى قدرات الدول الكبرى او العظمى, دفع الى المطالبة بعالم لا تتحكم في محصلة تفاعلاته دولة واحدة , حتى وأن كان اسمها الولايات المتحدة الامريكية

أن تراجع التوزيع العمودي للقوة على صعيد النظام السياسي الدولي لصالح توزيعه أفقيأ, وبهيكلية تتميز بتعدد الاقطاب, هو الذي سيجعل من الولايات المتحدة الامريكية في زمان ما بعد المتوسط مجرد قوة بين  عدد محدود من القوى الدولية الفاعلة.

أن هذا الواقع متفاعلآ مع تقلص الحاجة الامريكية لآستيراد النفط, جراء ازدهار الانتاج الذاتي  للولايات المتحدة الامريكية من النفط الصخري29, يفيد أن العلاقة مع الدول المنتجة للنفط في الخليج العربي, وبضمنها العراق, لم تعد, امريكيأ, تتمتع بذات تلك الاهمية السابقة.

ومما يدعم هذا التراجع في الاهمية متغير أخر لا يقل أهمية,هو بدء أنتقال الاهتمام الاستراتيجي الامريكي الى منطقة شرق اسيا. فصناع القرار الامريكي ادركوا دالة الدور الدولي الفاعل الذي يحتمل, بأرجحية عالية, أن تؤديه مجموعة دول في هذه المنطقة خلال زمان المستقبل المتوسط, ولاسيما الصين واليابان والهند, واثاره على مصالحها في هذه المنطقة وسواها.

وفي ضوء ما تقدم, يفترض هذا المشهد أن العلاقات العراقية- الامريكية ستشهد انكفاء”, جراء ما يسميه الاذاعي العربي محمد قواس” بأستقالة الولايات المتحدة من الشرق الاوسط”.30

أن هذا الانكفاء سيحرر العراق نسبيأ من علاقة كانت  مؤثرة وبما يتيح له اعادة ترتيب علاقاته الخارجية على النحو الذي يتماهي مع متطلبات مصالحه الوطنية العليا, ويؤمنها.بيد أن ذلك لا يعني  ان العلاقة العراقية- الامريكية ستبدأ بالعودة الى حالة الصراع الذي تميزت به في عموم اعوام 1968-2003 , وأنما أقترانها بحالة تجمع بين خصائص الاقتراب و/او الابتعاد عن بعض تبعا لمتطلبات مصالحهما.

قد يرى البعض أن مشهد الارتقاء في الداخل والفاعلية في الخارج يستوي ومواضيع الخيال العلمي , او التفكير الحالم,وبالتالي يستوي والوهم, سيما وأن معطيات الحاضر العراقي لا تشجع على التفاؤل باحتمال تحولها بالاتجاه الذي يفترضه هذا المشهد.

أن مثل هذه الرؤية تنطوي على قدر من الموضوعية, خصوصأ إذا ادركنا المستقبل وكأنه امتدادأ اتجاهيأ للحاضر, سواء كان هذا سلبيأ او ايجابيأ .بيد أن مثل هذه الرؤية تضحى خاطئة  إذا ادركنا, بالمقابل, أن المستقبل يتميز بأنفتاحه على مشاهد بديلة متعددة , وبالتالي لا يكون دومأ وابدأ امتدادأ خيطيأ  لمعطيات الحأضر, هذا خصوصأ عندما يقترن الحاضر بقيادة  تتوافر على رؤية حضارية وارادة واعية ترفض الاستسلام لمعطيات الواقع السلبي, وتسعى بالتالي الى تحقيق الارتقاء التاريخي والحضاري لمجتمعها.

أن مثل هذه الروية هي التي تقدم الاجابة على السؤال الآتي: لماذا استطاعت لآعداد  من الدول كانت من ضمن مجموعة الدول المتأخرة الارتقاء الى مرتبة الدول السائرة في طريق النمو خلال زمان المستقبل المتوسط. ويكفي, بهذا الصدد أن نتذكر تجربة  الدولة الماليزية,وكيف أنها تحولت خلال عقدين من الزمان من دولة متخلفة, إلى متأخرة, إلى سائرة في طريق النمو, وبمعدل نمو يعد مذهل: 6,9%سنويأ 31

2.3 مشهد استمرارية التردي النسبي وبداية التغيير والارتقاء

أتساقأ مع الفرضية الثالثة لهذا البحث, يتأسس هذا المشهد, الذي يجمع بين التفاؤل والتشاؤم معأ, على ما يفيد أن مستقبل العراق في عام 2025 لن يتحدد على وفق تلك الاتجاهات الممتدة من الماضي التي يفيد بها المشهد الاول أعلاه, ولا كذلك على وفق تلك التحولات الحضارية المفترضة في الحاضر , التي يفضي تاثيرها الى تشكيل المشهد الثاني , وأنما سيكون, على الارجح, محصلة , في أن, لتلك المدخلات التي تدفع الى أستمرارية واقع الفوضى وعدم الاستقرار, وبالتالي التردي, في العراق, والى تلك التي تدفع, كمأ وكيفأ, الى أعادة هيكلة واقعه سبيلآ للارتقاء الحضاري بفاعليته الداخلية , وثم الخارجية.

ولذا يقترن هذا المشهد, الذي لا حاجة الى تكرار تفاصيله, بحالة مستقبلية افتراضية مركبة تقع في الوسط بين هذين المشهدين المتناقضين أعلاه, ويجمع بالتالي بين أفترضاتهما وخصائصهما, وعلى نحو يجعل المستقبل انعكاسا لهما.

ومرد ذلك أمران: أولهما أن تراكم مخرجات المعطيات, التي يقترن بها الواقع العراقي منذ عام 2003 لا تسمح بأحداث تحول حقيقي وشامل فيه خلال أمد زماني قصير نسبيأ. وثانيهما, أن العراق لا يستطيع أن يكون دائمأ بمنأى عن قانون التغيير ومخرجاته في تسريع عملية التحول نحو الحداثة وبناء المستقبل.

وفي ضوء ما تقدم, نرى ان هذا المستقبل سيعبر, خلال الفترة الزمنية لهذا البحث, عن مشهد يجمع بين التشاؤم والتفاؤل في آن, وبالتالي من المرجح, عندما سيتم فتح الستارة على عام 2015, ان يكون مستقبل العراق لصيقأ بهذا المشهد المركب.

الخاتمة

لقد انصرف هذا البحث الى محاولة استشراف مشاهد مستقبلات العراق في عام 2025 على وفق احد تلك المناهج العلمية المستخدمة في دراسات المستقبلات, التي اضحى الاخذ بها يشمل العالم كله تقريبا, هو منهج بناءالمشاهد

وفي ضوء تطبيق للمنطق الذي يتأسس عليه هذا المشهد والآليات التي يستخدمها, عمد البحث الى استكشاف معطيات الواقع العراقي وانتهى في ضوء ذلك الى بلورة ثلاثة مشاهد مستقبلية تتراوح بين ما يعد متشائمأ او متفائلآ, او متشائمأ او متفائلآ.

هي مشهد تفاقم التردي الداخلي وضئالة التأثير الخارجي, ومشهد الارتقاء في الداخل والفاعلية في الخارج, ومشهد استمرارية التردي النسبي وبداية التغيير والارتقاء.

لقد تأسس كل من هذه المشاهد على افتراض مركزي.فالاول افترض ان امتداد عموم المعطيات السلبية للواقع العراقي الراهن الى المستقبل, ستجعله لصيقا بها. اما الثاني فقد تأسس على افتراض مفاده ان اقتران الواقع العراقي خلال اعوام 2015-2025 بتحولات داخلية ايجابية, كمية وكيفية وبالتالي تميزه بالفاعلية سيدفع الى صورة مستقبلية للعراق تتناقض وتلك الصورة التي يفيد بها الافتراض الاول. واما الافتراض الثالث فمفاده ان تزامن استمرار معطيات داخلية عراقية سلبية مع تحولات ايجابية سيجعل مستقبل العراق في عام 2025 مقترنا بصورة تجمع بين مضامين مشهدي الاستمرارية والتغيير.

وللبرهنة على هذه الافتراضات, انطلق البحث من ثلاثة مستويات تحليلية: عراقية داخلية, واقليمية ( المملكة العربية السعودية, ايران,  تركيا, اسرائيل) وامريكية.

ويبقى السؤال: ما المشهد الذي يحتمل بأرجحية عالية أن يقترن به مستقبل العراق في عام 2025؟ اننا نرى انه المشهد الذي سيجمع بين معطيات مشهدي الاستمرارية والتغيير في آن ويعبر عنها. فكما أن معطيات الواقع العراقي غير قابلة للتغير الجذري خلال زمان قصير, كذلك لا يستطيع هذا الواقع أن يكون بمنائ عن قانون التغيير. فالتغيير هو الاصل في الحياة.

لذا بنا حاجة, في آن, الى المشاركة الفاعلة في تلك العمليات التي ترمي الى الحد من الواقع السيء السائد في العراق بمختلف تجلياته, وكذلك في تلك التي تتطلع الى احداث التغيير والارتقاء الحضاري عبر آليات تستنهض الماضي المجيد ولا تتنكر, في الوقت ذاته, لروح العصر ومتطلباته.

ولنا مثلآ في تجارب ماليزيا, سنغافوره, كوريا الجنوبية, والصين نماذج مهمة ينبغي الاستفادة من تجاربها. لذا لنستفد من تجاربنا وتجارب غيرنا, ونحن نبني, ابتداء” من الحاضر مستقبلنا المرغوب. فهذا المستقبل هو السبيل لضمان أن تكو

حياة ابنائنا واحفادنا افضل من حياتنا. فمسؤوليتنا حيال أجيال المستقبل هي التي تستدعي أنحيازنا الى المستقبل والعمل من أجله.

الهوامش

1أنظر

Oxford World Power(Oxford: Oxford University Press,1999),p.312

2أنظر

Eleonara B. Masin, Why Futures Studies, ( London: Grey Seal, 1999), p.24

3انظر, د. وليد عبدالحي, الدراسات المستقبلية في العلاقات الدولية ( الجزائر, شركة الشهاب, 1991), ص8.

4انظر, د. حسن صعب, المقاربة المستقبلية للانماء العربي ( بيروت: دار العلم للملايين, 1979), ص 104.

5انظر مثلا, د. وليد عبد الحي, مصدر سبق ذكره, ص26.

6انظر وبالتفصيل, ادوارد كورنيش, المستقبلية, ترجمة محمود فلاحه (دمشق: منشورات وزارة الثقافة, 1994), ص ص 221-226.

7نقلا عن

Eleonora B. Masini, op.cit, pp90-91.

8انظر مثلا, د. ابراهيم العيساوي, استشراف المستقبل, التجربة المصرية, مصر 2020, في : احمد يوسف احمد, النظام العربي وآفاق المستقبل, عمان دار الشروق للنشروالتوزيع, 2002, ص 103.

9انظر, د. خيري الدين حسيب, مستقبل الامة العربية: التحديات والخيارات (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية, 1988 ), ص 74.

10نقلا عن عثمان حمادي, حقيقة الفشل الامريكي في العراق ( بغداد: دار الكتاب العربي, 2010), ص 249.

11نقلا عن د. عامر هاشم جواد, مستقبل الاستراتيجية الامريكية في العراق بين الاستمرارية والتغيير, مجلة الدراسات الدولية, بغداد, العدد 36, 2008, ص 170.

12انظر, ند باركر, العراق بعد الانسحاب, الدولة الفاشلة, مجلة المستقبل العربي, بيروت, العدد 398, نيسان 2012.

13انظر, رمزي زكي, هل انتهت قيادة امريكا للنظومة الرأسمالية, مجلة المستقبل العربي, بيروت, العدد 238, 1990,ص 79

14انظر مثلا, د. عبد علي كاظم المعموري, مستقبل العلاقات الاقتصادية العراقية الامريكية, مجلة قضايا سياسية, بغداد, العدد 18, 2009, ص 71.

15انظر, ند باركر, مصدر سبق ذكره, ص 21.

16انظر,

Kenneth M. Pollak, American Policy Towards Iraq After 2011, www.brookings.edu/research/testimony/2011/11/15-iraq-pollak.

17انظر

www.alquds.co.uk/?p111301

18انظر, فهمي هويدي, اسرائيل على ضفاف العراق,

http://www.ahram.org.egypt.archive/arabic/arabic.html

19نقلا عن محمد وائل القيسي, مكانة العراق في الاستراتيجية الامريكية تجاه الخليج, دراسة مستقبلية ( الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات, 2013), ص 80.

20بالتفصيل انظر المصدر نفسه, ص ص 73-85.

21انظر, د. مازن اسماعيل الرمضاني, السياسة الخارجية العراقية 1986-1990 ( بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة, 1994), ص 176.

22انظر ايضا, د. عامر هاشم جواد, دور العراق الجديد في الاستراتيجية الامريكية تجاه الشرق الاوسط, مجلة الدراسات الدولية, بغداد, العدد 33, 2007, ص 187.

23انظر النص على

Arabic.sci.cn/741/2on/05/16/825129353.html

24انظر

Anoushiravan Ehteshami, Iran-Iraq Relations after Saddam, Washington Quarterly, Autumn,2003,      p.119.

ويرى باحث ايراني اخر ان هذه الخشية انما تعكس رؤية منتشرة داخل المجتمع الايراني مفادها ان العراق يشكل تهديدا دائما لايران. انظر,

Dr. Kayham Barzegar, Iran Foregin Policy Towards Iraq and Syria,

www.esiweb.org/pdf/esi_turkey_tpq_id_100.pdf

25انظر, محمد السعيد ادريس. العلاقة الاشكالية الايرانية-العربية: تعقيد الحاضر وغموض المستقبل

http://www.alarabiya.net/views/2068/07/10/52845

26. انظر بالتفصيل

Dr. Kamran Taromi, Iran Foreign policy Towards Iraq, Iranian Journal of International Affairs, winter 2008, pp 464-472

27انظر, د. ليلى انقولا الرحباني, مستقبل العلاقات الاقليمية

Leilanrahbany.wordpress.com/2010/08/

28انظر, د. انور عبد الملك, تغيير العالم, سلسلة دار المعرفة, العدد 95, الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب, 1995.

29انظر, محمد قواس, مجلة الصياد, لندن, العدد 30, آذار 2014, ص5.

30.انظر,  محمد قواس, واشنطن وزمن الاستقالة من الشرق الاوسط, مجلة الحصاد, لندن, العدد 23, آب 2013, ص ص 5-7.

31انظر, علي صالح محمود وآخرون, تجارب سابقة في الدراسات المستقبلية( القاهرة:مركز الدراسات المستقبلية, 2004), ص ص27-31

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *