الكاتب : عبد المنعم الاعسم
للطائفية لغة خاصة بها. لغة مخاتلة. زئبقية. متآمرة. مشحونة بالتأليب والغل والتعبئة ضد الآخر، لكن بمفردات وعبارات تفيض بالرحمة المغشوشة، والموضوعية الشكلية، وبالاستطرادات المنتقاة بعناية من محضر الانشقاق السياسي الذي عصف بالخلافة والدولة والادارات الاسلامية المتعاقبة.
والاكثر دقة، انه صار لكل فريق طائفي لغته وايماءاته وتاويلاته وادبه الفهي–السياسي . يتجه بك من العام المتفق عليه(او هكذا يبدو) الى الخاص المختلف فيه (وهو المهم) لكن عبر انشاءات شديدة التعرج، ليظهر ان العام لم يكن عاما، بل ديباجة افتتاحية لحشوة الخاص الاستئصالي.
واللغة الطائفية ليس سوى جملة تتخذ من الدين رداء لها.. جملة متكلفة البناء، مشوّهة العرض، متضاربة الترجيع. الاخر بالنسبة لها (وهو موضع الاتهام بالخطل) شخص ما، او جهة، لا يريدان الاعتراف بالحقائق المدعومة بالايات القرآنية الموثقة، وبالاحاديث المتفق عليها. والآخر، نفسه، قد يبدو فكرة مشيدة على الضلال والبُدَع والانحراف والجهالة، وقد تلجأ الجملة الطائفية الى تسفيه الاخر بواسطة تسفيه طريقة تفكيره، او طريقة التعبير عن قناعاته. تقول لنا: انظروا لهم كيف يتعاملون مع الدين المشترك.. انهم يسيئون له.
في هذه الجملة لا يبدو الحق (في بعده الطائفي) إلا بوجه واحد، نهائي، شامخ، لا يطاله الشك، ولا يصمد امامه اعتراض، وهو هنا يساجل اضعف حجج الآخر في تدعيم منظوره الطائفي، وليس اقواها او اكثرها قربا للمنطق، ويعكف على ليّ المعاني لتتطابق مع مسطح التحريض الطائفي. الفقه في خدمة المشروع السياسي للطائفية، والسياسة في خدمة المشروع الفقهي للطائفية. شيء من الفقه وشيء من السياسة في نسق طائفي. اما التاريخ فانه يبدأ تاريخا واحدا مدرسيا لجميع المسلمين لكن ما يفترق الى تاريخين، يخطئ كل منهما الآخر، وهنا ايضا، تقوم الجملة الطائفية بواجبها في تدعيم الحجج المتقابلة، في مبان لا أركان لها، ومعان لا اوتاد فيها.
اللغة الطائفية، في معنى من المعاني اخطر من الطائفية، نفسها.
********
“يا بني إذا خدعك أحد فانخدعت له فقد خدعته”.
معاوية