ديسمبر 7, 2024
download (3)

الكاتب : هادي حسن عليوي

كيف أبدأ حديثي.. وأنت تعلم جيداً انك ولدتَ في بلد يرعى الفقراء بل لا يحبهم أصلاً.. ومن عادته يريهم نجوم الظهر.. ويقصم أظهرهم في كل منعطف جديد في مسيرة الحياة.. فأبن الحلة مركز محافظة أم الحضارة بابل ولدتً.. في سنة التظاهرات التي ملأت العراق شهرين متواصلين.. توقفت فيها حتى الدراسة.. تأييداً للشقيقة مصر وهي تدافع عن شرفها ضد العدوان الثلاثي على مصرفي العام 1956..

وما أن أينعت حتى حملتً نفسكً الى بغداد لتدرس.. وتبني مستقبلكً الذي كنتً تحلم به.. (شخصية مؤثرة في بناء المجتمع وتقدمه).. كما أنت قلتها وكررتها.. وتفوقتً في بعض الصفوف.. وحاولتً أن تكمل دراستك الجامعية في بغداد.. وجاءت الفرصة الذهبية.. وركبتً الطائرة الى فينا لدراسة الأدب الألماني.. لكنكً لم تقوى على قتل الكفر.. فلم تكمل دراستكً للعوز المادي..

وبعد تفكير وتدقيق توكلت ومشيت إلى مصر للدراسة.. عسى أن يكون الغول المادي بعيداً عن تحقيق طموحكً.. فدرستً في المعهد الأزهري.. لكن الصحافة وجمالها الأخاذ آنذاك أخذً قلبكً.. لكنكً لم تقوى على قتل غول العوز.. فعدتً إلى العراق ثانيةً العام1982.. لتجد الحرب في أشد أوارها.. وخدمة الاحتياط التي كانت تنتظركً.. وأي احتياط هذا ؟؟ ثمان سنوات متواصلة.. يا صديقي لو انك هربتً من الخدمة العسكرية.. لكنتً اليوم تعيش في أجمل مدن أوربا.. فتسجل من سجناء رفحاء السياسيين.. وتنزل عليك الملايين بل المليارات بالهبل.. حتى انك لن تموت..

وبعد انتهاء الحرب الملعونة العام 1988.. واصلت مشواركً في مهنة المتاعب.. لتضيف الى متاعبكً متاعب جديدة.. أنت أردها بمحض إرادتكً.. فالصحافة أنت شغفتً بها.. ناظم السعود المتواضع.. المتشبث بالحياة بكبريائك.. وقدرتك العجيبة على التحمل.. أخذتً الحيز الواسع في السلطة الرابعة.. بقلمكً الرشيق.. وليس بمنصب فيها.. يقيكً العوز..

وا أسفي على حكومات العراق بلا استثناء بكل نفطها وخزائنها.. لم تستطع.. بل عجزت أن تنقذ فقيراً عراقياً واحداً من العوز والفقر.. فكيف بك يا ناظم السعود تريد أن تمنحك سقفاً في بغداد يحمي أطفالكً ويقيهم من نائبات الزمان..لا والله أبداً لن تتحقق هذه الأمنية العظيمة إلا برجال عظماء.. وحكامنا منذ ستينيات حتى اليوم والى ما شاء الله لن يحققوها..

وهكذا يا صديقي أصبح الفقر قضيتكً.. وكيانكً.. وقلمكً الذي أبدعتً فيه.. ولم يستطع أي كاتب أو قلمٍ يعبر بصدق كما عبر ضميركً وقلمكَ به.. أبدعت في العمود الصحفي.. والمقالة الأدبية.. بلغةٍ راقية.. رشيقة.. معبرة.. وممتعة..

لم تكن يا ناظم تخشى شيئاً في كتاباتكً.. سوى أن تكون بمستواكً الكبير.. وبلغتكً التي لا تضاهيها لغة.. كما لم تكن تخشى على قلبكً المتعب.. وبقيت متمسكاً بآمالك الصغيرة.. بيت صغير يحميكً وعائلتكً.. ولم يتوقف تفكيركً بالوطن.. وخشيتك عليه من الضياع والتشتت..

ناظم السعود.. الكاتب المشاكس.. أكل الفقر والعوز والتفكير قلبه.. فترجلتً عن الحياة.. ورحلتً بهدوء.. وصمت..

أحبكً.. يا صديقي.. ولن أنساكً.. لكن العراق يا صديقي دائما ينسى أبناءه المبدعون الفقراء.. ناظم السعود.. لا تحزن.. هكذا يكرم مبدعونا الفقراء في بلدي.. في الحياة وفي الممات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *