الشيخ عز الدين محمد البغدادي
الأزهر والحوزة
رواية “الأيام”
كانت الرواية احدى مجالات اهتمامي الثقافية في قراءاتي المبكرة الا ان هذا لم يستمر طويلا، فسرعان ما توجهت بشكل أكبر نحو قراءة الفلسفة والعلوم الشرعية اضافة الى اهتمامي بالأدب العربي. اهدى لي صديقي وجاري احمد رواية “الايام” للأستاذ طه حسين وهي رواية ترجم فيها لحياته، ركنت الرواية ورأيت انها لا تصلح ان تكون في اولويات القراءة. في مثل هذا الايام من سنة 2000م باشرت بالدراسة في النجف الاشرف، وكنت قد جمعت مبلغا من المال يساعدني على ذلك. لم اكن قد حصلت بعد على مرتب لذا حاولت تدبير اموري اطول ما يمكن الى ان نفد ما لدي فرجعت الى البيت وحاولت ان اجد لي عملا يؤمن لي استمرار دراستي حتى تتيسر الامور.. في هذه الفترة قلبت رواية الايام وقرأت أول سطورها او صفحاتها، فتعلقت بها ولم استطع تركها حتى انهيتها.. اثار عجبي التشابه الشديد بين ما سردته الطالب الازهري عن ذكرياته اثناء دراسته في الازهر الشريف وما رأيته في فترة دراستي القصيرة في الحوزة العلمية. وكأن شخصيات “الازهر” استنسخت من شخصيات “الحوزة”، او العكس.
تذكرت وانا اقرأ في الايام عن ذلك الطالب الازهري المبتلى بالوسواس والذي يعيد قراءة الفاتحة بسبب الشك في صحة قراءتها، وقارنته بذلك الشيخ الحوزي “عبد زيد” عند كنت امر على غرفته في مدرسة الأزري الدينية وذلك في الطريق الى المغاسل للوضوء وانا اسمعه يقرأ الفاتحة، ويعاني معاناة شديدة ويكرر المقاطع ويعيدها بطريقة تشعرني بالشفقة عليه، وهو يقول “بس بسم بسم الله بس بسم الله وكذا” وهكذا. تذكرت ذلك الشخص الذي يتحدث في كل شيء ولا يتقن أي شيء، الحالات الاخلاقية الجميلة، والضعف الانساني، الفقر والتدين، والنقاشات والنزاعات، وامور كثيرة اخرى وجدتها تتشابه بشكل كبير، وكأن هناك نصا لمسرحية واحدة أداها فريقان مختلفان.
لكن اعجبني وجود ترتيب علمي في الازهر -وهذا غير موجود عندنا بشكل موضوعي- فالذي يحدد درجة الطالب ومستواه هي الامتحانات التي يخضع لها الجميع، والطالب الذي يتجاوز امتحان العالمية يوضع على جبته جهة الكتف (على ما اذكر) شريط يدل على وصوله لتلك المرحلة.. اما في النجف فلا يوجد تمييز، وربما بل كثيرا ما يتقدم الجاهل على الفاضل بحلاوة وربما سلاطة لسانه او سعة علاقاته.
لا اذكر الان تفاصيل “الايام” لكنه انطباع اثار عجبي واستغرابي وقتها، من ذلك التشابه بين المؤسستين، وبين طلبة العلم هنا وهناك.
عز الدين البغدادي