اسم الكاتب : نشأت أحمد
بعد سقوط النظام البائد في بغداد, ودخول القوى العراقية المعارضة بكافة تلاوينها وانتمائاتها الى العراق والعمل الحقيقى داخل الامة بكل شرائحها وطبقاتها الاجتماعية والسياسية بشكل مباشر ومفتوح بعد عقود من السرية والملاحقة والغربة, وما تلتها من احداث سياسية متعاقبة والتي افرزت معطيات كثيرة في وضع اقليمي ودولي جديد. هذا المركب من المتغيرات فرض على القوى العراقية بشكل عام مراجعة الذات والتأمل لمسيرتها الطويلة وبناء هيكلية جديدة تتناسب والوضع القائم ، واسلوب عمل جديد يتلائم مع هذه المعطيات ويرفع القوى الى مستوى المسؤولية لادارة العملية السياسية والصراع السياسي المتنامي وسط تحديات دولية واقليمة معقدة, والاستعداد لاستلام مسؤولية ادارة البلاد واخراجه من دائرة الازمة وبناء المؤسسات المدنية والتي تؤهله الى وضع العراق في موقعه الطبيعي كدوله قائمة على المرتكزات الاساسية المتينه.
إذا كان هذا ما يتوجب على مجمل القوى الوطنية العراقية فإن على القوى السياسية التركمانية مسؤوليات اكبر وتحديات اعظم لما اصابتها من إخفاقات في المرحلة السابقة مما أثّر سلبيا على حضورها في مواقع القرار وعلى أدائها الميداني نتيجة تقاطع المصالح بينهم وبين قوى داخلية متنفّذة في الساحة العراقية وبينهم وبين قوى التحالف نتيجة انعكاس ازمة سياسية بين أطراف إقليمية ودولية مما ادى الى اخذ التركمان في العراق بجريرة تلك الازمة السياسية وتجسّد ذلك بالانحياز ضد التركمان في داخل العراق.هذا بالاضافة الى تقاطع المصالح الدولية في المناطق التركمانية الغنية بالثرواة الطبيعية وعلى رأسها البترول, ومحاولات البعض من فرض واقع ديمغرافي افتراضي جديد والبناء عليه في الدوائر السياسية, وكذلك الاثار السلبية التي خلفته ممارسات النظام البائد والذي مارس سياسة شوفينية ضد التركمان لاجتثاث وجودهم وتعريب مناطقهم. وإذا اضفنا الى كل هذا حالة التشتت والتفرقة في صفوف القوى السياسية التركمانية. وتلحظ في الوسط التركماني اتجاهان سياسيان اولهما الاتجاه القومي يتبنى الايدولوجية القومية والافكار والتصورات المعبرة عنها ويمثل هذا الاتجاه أحزاب وشخصيات سياسية لها برنامجها السياسي الخاص, ولها أنصار واتباع في الوسط التركماني، والتركمان ليس كلهم قوميون بالمعنى السياسي الذي يؤمن به هذا الاتجاه حالهم في ذلك حال القوميات الاخرى والتي فيهم قوميون واسلاميون ومستقلون، وفيهم من لا شغل له بالعمل السياسي رغم إعتزازه بلغته وبخصوصيته. وثانيهما الاتجاه الاسلامي والذي يتبنى الايديولوجية الاسلامية ويعمل من خلال ذلك على خدمة التركمان وعقيدتهم ويجاهد من أجل حقوقهم بناءاً على الافكار والتصورات الاسلامية التي يؤمن بها أنصار هذا الاتجاه ويمثل هذا الاتجاه عدد من الحركات والشخصيات العلمائية والكوادر المؤمنة ولهذا الاتجا حضور قوي في الساحة من خلال حجم الشهداء الاسلاميين التركمان وتضحياتهم.
وأمام هذا التداخل المعقد والابواب المؤصدة بوجه القوى السياسية التركمانية أصبحت هذه القوى تخسر موقعا بعد اخر ودفعت ثمن هذا التشتت وعدم بلورة إطار وحدوي لهذه القوى، من هنا فالموقف اللازم والخطوة الجريئة المرتقبة لتحقيق هدف الاستمرار وتحقيق اهداف الشريحة الثالثة في العراق هي الالتقاء المباشر بين فصائل هذه القوى, أولا من خلال اللقاء بين دوائر الجهه الواحدة ثم بين الجهات المختلفة ليتشكل الاطار الذي يحفظ التعددية ويوحد الجهد المشترك على الصعد المختلفة.
فالاتجاه الاسلامي بحركاته وكوادره ومستقليه مطالبً أكثر من غيره وأمامه تحد خطير أكثر من غيره ولا مناص لهم إن أرادوا الاستمرار وأداء التكاليف وتحمل المسؤولية الحقيقية أن يبادروا بسرعة لمراجعة نقدية قاسية ومحاسبة ذاتية شاملة تسمو على الحسابات الذاتية والمصلحة الشخصية والحركية, لان هذه المحاسبة تنطلق من اساس شرعي واسلامي لم يصل اليه أي خطاب إنساني حضاري حيث تختفي فيه الذات تماما, وإذا كان الجميع امام هذه المسؤولية فان الاسلاميين مدعون أكثر بهذه المراجعة حتى لا ينهدم الكيان التركماني على رؤوس الجميع ويختنقون تحت حطام مشاريع المتربصين, ومسؤوليتهم أكبر لانهم يمتلكون رصيدا شعبيا ضخما وتراثا مضمخا بالدم وقدرات لم تتمكن الة الموت الصدامية القضاء عليها طوال سنوات حكمه المشؤوم في العقود الثلاث الماضية.
فما ينطبق على الاسلاميين ينطبق على الاتجاه القومي أيضا مع النقد القاسي لاداء الجبهه التركمانية لأكثر من العقد من الزمن إذ لا يمكن التخلص من كل تلك الاخفاقات بتحميل بعض الاشخاص بتلك المسؤولية, وتلك الاخفاقات الخطيرة والتي أخرجت التركمان من تلك المرحلة صفر اليدين. ومن سُنة الحياة أن يتعكز الانسان على تجاربه وتجارب الاخرين ودراسة التاريخ والاستفادة منه، والتجربة الاخيرة في اقامة الجبهة التركمانية لمؤتمرها الثالث واسلوب التحضير له, والعنوان الذي حمله, والالية الاستحواذية التي نهجها, لا تشير الى إتعاض القائميين عليها من إخفاقاتهم ومن اسحقاقات تلك التجربة, إذ أثبتت الجبهه إنها لازالت تعيش الحاضر بعقلية الماضي، وكأنها لم تدرك إن موسم الادعاء (إدعاء التمثيلية للشعب) قد تم حصاده في مجلس الحكم والتشكيلة الوزارية ونحن الان أمام مرحلة جديدة لها استحقاقات تختلف جذريا عن المرحلة السابقة. وليس من حق جهة أن تدعي تمثيل شعب كامل حتى ولو مدّ ظلها على كل أطراف ومناطق ذلك الشعب, وليس من حقها اخراج أو سحب الشرعية من هذه الجهة أو تلك لمجرد عدم توافقها مع متبنياتها وتوجهاتها، نعم من حقها أن تطرح افكارها وتصوراتها وتختار الية تحركها حسب برنامجها السياسي.
والتركمان في هذه المرحلة بحاجة الى قيادة سياسية واعية جريئة تجيد اللعبة والعلاقات السياسية, كفوءة لادارة الصراع السياسي في ساحة غارقة بالعمالقة السياسيين، قيادة قادرة على تحقيق اهداف التركمان والمتمثل بتحقيق الحقوق السياسية والقومية لهم ضمن إطار قانوني محدد كشريحة عراقية إسوة ببقية شرائح الشعب العراقي.