المنتخب العراقي بين السياسة والرياضة… حين يصبح اللعب خارج المستطيل الاخضر

ضياء ابو معارج الدراجي

لطالما كانت كرة القدم مرآة تعكس واقع المجتمعات، فحين تزدهر الرياضة، يكون ذلك دليلاً على نظام متوازن يعطي للكفاءة الأولوية، وحين تتراجع، فإن ذلك يكون انعكاسًا لمشكلات أعمق، تتجاوز المستطيل الأخضر إلى دهاليز السياسة والمصالح الشخصية. والمنتخب العراقي مثال واضح على هذا التداخل الذي جعل الكرة العراقية تتعثر في دوامة الفشل المستمر، لا بسبب قلة المواهب، بل بسبب التدخلات التي أفسدت جوهر اللعبة.

المفترض في أي منتخب وطني أن يكون التمثيل فيه قائمًا على الموهبة، اللياقة، المهارة، والانضباط، ولكن في العراق، أصبحت معايير الاختيار لا تعتمد فقط على العوامل الفنية والجسمانية، بل تدخلت فيها الاعتبارات السياسية، والمحاصصة الحزبية والطائفية، والعلاقات المحلية والدولية، وحتى المصالح المادية.

المحاصصة الحزبية والطائفية: كما تقسم المناصب الحكومية وفق التوازنات السياسية، أصبح المنتخب يخضع لمنطق شبيه، حيث يتم اختيار لاعبين ليس لأنهم الأفضل، ولكن لأنهم ينتمون إلى جهات معينة، أو لأن دعمهم يحقق مكاسب سياسية للمتنفذين.

العلاقات الشخصية والتدخلات الخارجية: أصبح النفوذ والواسطة عاملاً حاسمًا في اختيار اللاعبين، حيث يتم تفضيل بعضهم بسبب علاقاتهم مع مسؤولين في الاتحاد، أو لأن وكلاءهم يتمتعون بنفوذ قوي.

البعد المادي والمصالح التجارية: بعض اللاعبين يتم فرضهم في التشكيلة لتحقيق مكاسب مالية، سواء من خلال الترويج لهم لأجل الاحتراف الخارجي، أو لضمان عقود إعلانية واستثمارات مربحة، ما يجعل المنتخب ساحة للاستثمار لا للإبداع الرياضي.

ما دام الاختيار لا يتم على أساس الكفاءة، فمن الطبيعي أن تكون النتائج متواضعة، بل كارثية أحيانًا. الفريق الذي لا يعتمد على الأفضل، بل على الأكثر نفوذًا، لا يمكن أن يحقق إنجازات حقيقية، وهذا ما انعكس في تذبذب أداء المنتخب العراقي خلال العقود الأخيرة، حيث تحولت الإنجازات إلى مجرد ذكريات، بينما أصبح الفشل هو القاعدة لا الاستثناء.

تكرار تغيير المدربين، عدم الاستقرار الإداري، والصراعات داخل الاتحاد العراقي لكرة القدم كلها عوامل زادت الطين بلة، فلم يعد اللاعب العراقي يثق بالمؤسسة التي تدير شؤونه، ولم يعد الجمهور يثق بالفريق الذي يُفترض أن يمثله.

المفارقة أن ما يحدث في المنتخب العراقي لا يختلف كثيرًا عما يحدث في تشكيل الحكومات العراقية، فالمحاصصة السياسية التي أضعفت الدولة العراقية انعكست على كل مؤسساتها، بما فيها الرياضة. كما تُشكل الحكومات على أساس التوازنات وليس الكفاءة، يُختار لاعبو المنتخب على أسس لا علاقة لها بالمهارة. والنتيجة واحدة: إخفاق مستمر، وغياب للرؤية، وفقدان ثقة الجمهور.

فالحكومة التي تعجز عن تقديم الخدمات، وضمان العدل، وتحقيق التنمية، تفرز بيئة مشوهة تدير فيها كل القطاعات وفق المصالح الضيقة، ومن ضمنها الرياضة. كما أن المنتخب الوطني يحتاج إلى مدرب مستقل يختار اللاعبين بعيدًا عن الضغوط، تحتاج الدولة إلى قيادة وطنية تحكم بالكفاءة لا بالمحاصصة.

رغم هذا الواقع المحبط، يبقى الأمل معلقًا على جيل جديد من الإداريين والمدربين واللاعبين الذين يرفضون هذه العقلية، ويسعون إلى إعادة الرياضة العراقية إلى مسارها الصحيح. فكما شهد العراق في بعض الفترات بروز أسماء رياضية قدمت إنجازات رغم الصعوبات، لا يزال هناك إمكانية لإصلاح الأمور، لكن ذلك لن يحدث إلا إذا تم فصل الرياضة عن السياسة، وإبعاد التدخلات الخارجية عن اختيار اللاعبين، واعتماد معايير شفافة واضحة للاختيار.

ما يمر به المنتخب العراقي ليس مجرد أزمة كروية، بل هو انعكاس لمشكلة أعمق تتعلق بكيفية إدارة شؤون البلاد. وكما أن إصلاح الدولة يبدأ من نبذ المحاصصة وتقديم الأكفأ، فإن إصلاح الكرة العراقية يبدأ من نفس النقطة. فلا يمكن لأي فريق أن ينجح إذا كانت تشكيلته مفروضة من خارج الملعب، ولا يمكن لأي دولة أن تنهض إذا كانت تدار بنفس العقلية التي دمرت منتخبها.

ضياء ابو معارج الدراجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *