
اعداد : معهد البحرين للتنمية السياسية،
نسمع كثيراً بأن شخص ما يتمتع بوعي سياسي، وآخر يتم انتقاده لأنه لا يملك الوعي نفسه؛ فما هو الوعي السياسي؟
الوعي السياسي يعد من المصطلحات السياسية، ومعناه قدرة الإنسان على فهم الأوضاع والقضايا والمشاكل السياسية في البلد الذي يعيش فيه، أو على مستوى العالم، بحيث تكون لديه القدرة على تحليل وربط الأحداث، وتحديد استنتاجات مختلفة بشأنها، وهذا الوعي يدفعه بشكل مستمر إلى تغيير الوضع القائم وتطويره بما يتناسب مع قناعاته.
مثل هذا الوعي لا يمكن أن يتكوّن لدى الإنسان في فترة زمنية قصيرة جداً، لأنه عملية طويلة المدى تستغرق وقتاً يتعرّض خلاله الفرد للعديد من التجارب والمواقف، وتتطور بتطور درجة تعليمه واهتمامه بتنمية الوعي السياسي لديه.
وبناءً عليه هناك مجموعة من الأدوات التي تساهم في تشكيل الوعي السياسي، وأول هذه الأدوات الخطاب السياسي الرسمي وغير الرسمي، ويقصد به ما يتعرّض له الفرد عبر وسائل الإعلام الرسمية، أو وسائل الإعلام غير الرسمية سواءً كانت في المجلات أو النشرات الصادرة عن الجمعيات السياسية، أو من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، أو عبر وسائل الإعلام الإلكتروني. ففي جميع هذه الوسائل يتلقى الشخص بشكل مستمر كماً ضخماً من المعلومات التي تتضمن مواقف وقناعات معينة، وبمرور الوقت فإنها تتراكم لديه، وتكون بالنسبة له مخزون معرفي يمثل وعيه السياسي.
أيضاً من الأدوات المؤثرة في تشكيل الوعي السياسي المشاركة السياسية بمختلف أنواعها، وتبدأ من السلوك البسيط للمواطن عندما يقرأ خبراً أو موضوعاً في إحدى المواقع الإلكترونية للصحف المحلية ويبدي رأيه حوله بالتعليق، وتشمل الانخراط في عضوية إحدى الجمعيات السياسية أو مؤسسات المجتمع المدني أو النقابات العمالية. وتصل المشاركة السياسية للمشاركة في الانتخابات باعتبارها من أعلى درجات المشاركة السياسية.
جميع هذه الأنشطة التي تدخل ضمن إطار المشاركة السياسية تساهم بشكل كبير في تشكيل الوعي السياسي للفرد، لأنه يتعرّض لمجموعة من التجارب والخبرات على المستوى الشخصي، وهذا التعرّض والتفاعل يؤدي إلى تشكيل الوعي السياسي لديه.
أيضاً عندما يقوم المواطن بمتابعة الصحافة المحلية، ويتابع الأحداث السياسية بشكل مستمر فإنها تعتبر تعليماً ذاتياً يساهم في تشكيل وعيه السياسي. فالوعي السياسي لا يمكن الحصول عليه في مقاعد الدراسة فقط، وإنما يتطلب متابعة دائمة للأحداث المتغيّرة، ومن خلال هذه المتابعة تتطور القدرة على ربط الأحداث، وبعدها التحليل، ومن ثم الاستنتاج.
بالإضافة إلى ذلك فإن من أدوات تشكيل الوعي السياسي الخبرات الشخصية التي يكتسبها الفرد في حياته، كما هو الحال بالنسبة للدراسة التي قد يتعرّض فيها لمواقف سياسية معينة من خلال أساتذته أو الطلبة أنفسهم، كما تتاح الفرصة مثلاً للطلبة للمشاركة في انتخابات مجلس الطلبة وهي أنشطة بلا شك تساهم في تشكيل الوعي السياسي لمن يتفاعل معها.
الثقافة العامة السائدة في المجتمع المحلي تساهم أيضاً في تشكيل الوعي السياسي، فمثلاً هناك مجتمعات في العالم تتسم بسيطرة الرجل على أسرته، وهو ما يؤدي إلى أن يكون الوعي السياسي قائم على الرجل، بخلاف المرأة التي يمكن أن يكون وعيها محدوداً.
وإذا كان الحديث عن مجتمع البحرين فإنه يلاحظ منذ العقد الثاني من القرن العشرين تشكل الوعي السياسي للمواطنين تزامناً مع بدء التعليم النظامي عام 1919، وخلال سنوات قليلة أجري أول استحقاق انتخابي بمشاركة المرأة، وهو ما أدى إلى أن مساواة الرجل مع المرأة في الوعي السياسي، وأدى لاحقاً إلى انخراط الرجال والنساء في الحركات السياسية التي ظهرت تطالب بإنهاء الاستعمار البريطاني قبل العام 1971. ولذلك فإن التجارب الشخصية للأفراد في المجتمع تؤثر كثيراً في تشكيل وعيهم السياسي.
أما بالنسبة للعوامل الأخرى المؤثرة في تشكيل الوعي السياسي، فإنها تشمل نوع الثقافة السياسية المتعددة، ففي مرحلة ما قبل بدء المشروع الإصلاحي كان المواطنون ينظرون إلى القضايا السياسية نظرة سلبية، وهو ما أدى إلى تكوين ثقافة سياسية تابعة تخلق بالضرورة وعياً سياسياً محدوداً وسلبياً. بخلاف الوضع في مرحلة ما بعد الإصلاح الذي باتت فيه النظرة للقضايا السياسية نظرة إيجابية، وهو ما أدى إلى تكوين ثقافة سياسية مشاركة ساهمت في تشكيل وعي سياسي عام أكثر إيجابية.
من العوامل أيضاً التي تساهم في تشكيل الوعي السياسي الأحداث التاريخية التي تمر على المجتمع، فمثلاً يلاحظ بعد أزمة فبراير ـ مارس الماضيين في البحرين تغيّر اهتمام الكثير من المواطنين نحو متابعة القضايا والأخبار السياسية بشكل مستمر سواءً عبر وسائل الإعلام التقليدية أو من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، ومثل هذا الاهتمام الناتج عن هذا الحدث التاريخي سيؤدي إلى تشكيل الوعي السياسي لدى شريحة واسعة من المواطنين.
كذلك مستوى التعليم له دور في تشكيل الوعي السياسي كما ذكرنا سابقاً، وغالباً ما تكون المجتمعات التي تتمتع بمستوى عال من التعليم ذات مستوى عال أيضاً من الوعي السياسي.
مفهوم الوعي السياسي مفهوم واسع وليست له حدود معينة، لأنه يعد بمثابة رؤية عامة وشاملة لكافة الأحداث السياسية التي يمكن أن يشهدها مجتمع ما. وبناءً على الوعي يمكن للفرد أن يحدد مواقفه وقناعاته السياسية المختلفة، والوعي نفسه يدفعه نحو المشاركة في الأنشطة السياسية المتعددة. وهناك حقيقة هامة ينبغي استيعابها هنا، وهي أن الوعي السياسي لا يتوقف وإنما عملية تراكمية تستمر على فترة زمنية طويلة، وخلالها يمكن أن يتراجع الوعي ويمكن أن يزداد طبقاً لاهتمامات الشخص نفسه.