
نجاح محمد علي
في ظل صمت دولي مريب وتجاهل إعلامي لافت، تتكشف مأساة إنسانية جديدة في سوريا، حيث يتعرض العلويون لموجة من العنف والإعدامات الميدانية على يد قوات النظام الجديد بقيادة أحمد الشرع، المعروف سابقًا باسم أبو محمد الجولاني. هذه الأحداث المروعة تأتي في وقت حساس، حيث شهر رمضان المبارك، مما يزيد من وطأة المعاناة ويثير تساؤلات حول القيم الإنسانية والأخلاقية.
وفقًا لتقارير حقوقية، شهدت الأيام الأخيرة ارتكاب جرائم مروعة ضد المدنيين العلويين في مناطق الساحل السوري. فقد أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن قوات الأمن السورية قامت بإعدام 162 مدنيًا علويًا، بينهم نساء وأطفال، في خمس مجازر منفصلة في المنطقة الساحلية. هذه الإعدامات الميدانية، التي تمت بإجراءات موجزة على يد عناصر تابعين لوزارتي الدفاع والداخلية، ترفع العدد الإجمالي للضحايا إلى أكثر من 1750 شخصًا منذ اندلاع أعمال القتل الجماعي العلنية . وهذا الرقم في تزايد.
تحول الجولاني من زعيم جهادي إلى سياسي
من المفارقات المؤلمة أن هذه الجرائم تأتي تحت قيادة أحمد الشرع، الذي سعى في الفترة الأخيرة إلى تجديد صورته وتحويل نفسه من زعيم جهادي إلى سياسي معارض. فقد تخلى عن اسمه الحربي “الجولاني” واستخدم اسمه الجديد في البيانات الرسمية، في محاولة لإعادة تشكيل صورته أمام المجتمع الدولي. لكن يبدو أن هذا التحول الظاهري لم يغير من جوهر ممارساته القمعية، وحقيقته التكفيرية.
ما يثير الاستغراب هو الصمت المطبق من قبل العالم الغربي والعديد من الدول العربية التي ساندت التغيير الذي حصل في ديسمبر 2024. هذا الصمت يثير تساؤلات حول مصداقية الخطاب الدولي حول حقوق الإنسان وحماية الأقليات.
فبينما كانت هذه الدول تتحدث عن ضرورة التغيير في سوريا باسم الحرية والديمقراطية، نجدها اليوم تغض الطرف عن جرائم ترتكب بحق مدنيين أبرياء.
إن استمرار هذه الجرائم ينذر بمستقبل مظلم لسوريا، وهو مستقبل تتحمل مسؤوليته بشكل كبير تركيا والدول التي أشعلت هذه الحرب المدمرة العبثية منذ عام 2011. فقد ساهمت هذه الدول في تأجيج الصراع وتغذية التطرف، مدفوعة بأهداف اقتصادية وجيوسياسية، بما في ذلك السيطرة على مسارات أنابيب الغاز في المنطقة.
نعم، لا يمكن فصل ما يحدث في سوريا عن المصالح الاقتصادية الكبرى في المنطقة. فمشروع أنبوب الغاز الذي كان مخططًا له أن يمر عبر سوريا كان أحد الأسباب الرئيسية وراء الرغبة في إسقاط النظام السوري السابق. هذا المشروع، الذي كان من شأنه أن يربط حقول الغاز في المنطقة الخليجية بأوروبا عبر سوريا، كان يمثل تهديدًا للمصالح الروسية في سوق الطاقة الأوروبية.
و في خضم هذه الأحداث المأساوية، يبرز تجاهل لافت للنظر لقضية الاحتلال الصهيوني وتمدده في الأراضي السورية. فبينما يتركز عنف النظام السياسي الجديد على الاقليات الداخلية وتستمر الجرائم المرتكبة ضد العلويين، تواصل قوات الإحتلال الصهيوني توسيع نفوذها في المناطق السورية دون رادع أو محاسبة دولية.
إن ما يحدث اليوم في سوريا من جرائم ضد العلويين يمثل كارثة إنسانية بكل المقاييس. فهذه الممارسات لا تهدد فقط حياة الأبرياء، بل تهدد أيضًا النسيج الاجتماعي السوري بأكمله وتنذر بتفكك الدولة وانهيار مفهوم المواطنة، ناهيك عن تداعياتها الاقليمية على المنطقة عموماً.
و في ضوء هذه الأحداث المروعة، يتوجب على المجتمع الدولي التحرك بشكل عاجل لوقف هذه الجرائم ومحاسبة مرتكبيها. كما يجب على الدول العربية والغربية التي ساندت التغيير في سوريا أن تتحمل مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية وتضغط من أجل وقف العنف وحماية المدنيين.
إن المأساة التي يعيشها العلويون في سوريا اليوم هي جزء من مأساة أكبر تعيشها سوريا منذ سنوات. وما لم يتم التحرك بشكل جاد وفعال لوقف دوامة القتل الطائفي وحماية جميع المكونات السورية، فإن مستقبل البلاد سيظل رهينة للصراعات والانتقام. إن السلام والاستقرار في سوريا لن يتحققا إلا من خلال العدالة الشاملة واحترام حقوق جميع السوريين، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية.