سليم جواد الفهد
معروف الرصافي (1875-1945) هو معروف بن عبد الغني بن محمود الجباري شاعر عراقي من أب كردي ينتسب لعشيرة الجبارة التي تسكن مدينة كركوك وأم تركمانية من عشائر (القره غول) والتي يرجع أصولها إلى قبيلة (الشاة السوداء) (دولة الخروف الأسود) التركمانية التي حكمت العراق وقسماً من إيران زمن ما قبل العثمانيين.
قدرت له الأقدار أن يولد على مذهب أهل السنة وهم أشتات من مذاهب صاغتها السياسة الأموية ثم العباسية للوقوف بوجه التشيع الذي كان يحمل راية المعارضة والثورة.
وبعد تقلبات الدهر صار العراق هو الساحة الأكثر توترا بسبب اختيار بغداد عاصمة للخلافة العباسية حتى سقوطها على أيدي المغول عام (656هـ) و ماتلاها من اضطرابات وصولا إلى احتلال العثمانيين عام (1534م) ثم الأحتلال الأنكليزي لها عام (1917م) وتكريس حكم الأقلية السنية بمباركة (المس بيل).
من هنا كان السنة في العراق يرون أنفسهم حاكمين على الدوام أو حواشي للمنظومة الحاكمة وسيافيها وأي سلطة سنية تحكم العراق تكيف الواقع السياسي لحكمهم بصفته مصدرا نهائيا للحكم ولا يحق لغيرهم مشاركتهم فيه. والسلطة السنية-أي سلطة ومن أي نوع- لا تدع مجالا للآخر المختلف عنهم طائفيا أن ينمو ويكبر سياسيا وأقتصاديا لأنه سيفسد حتميتها السلطوية المبنية على شرعية القوة والغلبة المفترضة لذلك فإن منظومتها القيمية لا تؤمن بالتنوع الاجتماعي الآخر ولا بالتعددية السياسية التي هي قوام الديموقراطية.
من هذا الموقف تولد الطائفية السياسية السنية كإيديولوجيا مقفلة تتوقف عند حدود قيم الصحراء التي تؤلف على طول التاريخ المنبع الأساس المغذي لكل أفكار الحكم السني المبني على مسلمة (الحق التاريخي في الحكم).
وكأن بني أمية وبني العباس كانوا هم أساس الإسلام الشرعيين ومنهم تستمد الشرعية.
فمن بني أمية إلى بني العباس إلى العثمانيين كانت الإيديولوجيات العربية مابعد العثمانية قد جعلت من الإسلام السني حجر الزاوية الذي ستقام عليه ابتكارات العروبة لذلك فالسنة العراقيين لم يتيحوا للأفكار التنويرية أن تتغلغل في صفوفهم واتخذوا من الطائفية السياسية نقطة بدء وإنتهاء وعضدوها بالقيم العشائرية لأنهم يعتقدون أنها رصيدهم الرمزي في الحفاظ على السلطة.
لذلك نمت الأفكار التنويرية واليسارية لدى الشيعة وغيرهم من الأقليات ساعدهم في ذلك تعبئتهم بأفكار المثالية النابعة من قادتهم وأئمتهم الخالية من كره الآخر والحقد على المختلف.
وعلى وفق ذلك يمكن لنا فهم انجذاب أغلبية السنة العراقيين وأغلب العرب لداعش وأفعالها ضد شيعة العراق.
حتى المستنكرون لن تجد استنكارهم حقيقيا لأفعال داعش الاجرامية ليس لأن الدفاع عن داعش وسيلة يحققون من خلالها تطلعهم بالعودة لسابق مجدهم بالحكم فقط وإنما لأن الطبيعة الجوهرية لفكر السنة العراقيين الديني والاجتماعي يتماهى في جوهره مع الطبيعةالدموية لأفعال داعش الاجرامية إلا ماندر فداعش مهما شذبنا وحشيتها تمثل إفرازا طبيعيا وخلاصة منطقية للفكر الطائفي السلفي السني بشكل عام بل هي عبرت عن حقيقة الفكر السلفي السني خير تعبير عن نظريتهم الطائفية تجاه العلاقة مع الآخر سواء كان شيعي أو من دين آخر.
ومن قرأ كتاب (الرسالة العراقية في السياسة والدين والاجتماع) لمعروف الرصافي يجد كل العجب فالرجل ملحد مشهور ومع ذلك لم يستطع أن يتخلص من طائفيته!
يقول معروف الرصافي في كتابه الرسالة العراقية ما نصه:
(وآخر ما نقوله كلمة نرفع بها علَم التعجب وننشر بها راية التحير على نشز من أنشاز العروبة المتشيعة فنقول: قد علمنا ولو مجملاً أن مذهب التشيع في الإسلام يمت في أصله إلى أبناء فارس بنسبة لا مرية فيها. وإنه إنما وضع من قبل الفرس لقتل الإسلام دين الوحدة والتوحيد بسلاح منتزع منه، ولهدم العروبة بالمعول الذي هدمت به مجد فارس. فليس من العجيب أن ترى أعجمياً يتمذهب بمذهب التشيع، ولكن العجب كل العجب أن يتمذهب به من يدّعي أنه عربي ولو بالاسم فقط. فلو سألني سائل ما أعجب ما رأيت في هذه الحياة الدنيا لأجبته فوراً دون تردد أو تلعثم إن أعجب ما رأيت في الدنيا شيعي يدعي أنه عربي. لأن بين التشيع والعروبة تناقضاً لا يخفى على أسخف العقول. فإن كان هذا الشيعي عربياً صريحاً كما يدّعي فقد مسخه مذهب التشيع حتى صار بمنزلة الحيوان الأعجم !
الذي لا يدرك ما هو فيه من حالة من أين تبتدئ وإلى أين تنتهي. وإن لم يكن عربياً وإنما ادعى العربية تقية منه لخوف أو مكيدة فهو معذور لأن مذهب التشيع يوجب عليه التقية وإن كانت التقية بمعناها الحقيقي هي النفاق).1.
ولنا على قوله عدة تحفظات:
1-قوله: (علمنا ولو مجملاً أن مذهب التشيع في الإسلام يمت في أصله إلى أبناء فارس بنسبة لا مرية فيها).
أقول: هذا جهل فاضح بالتاريخ لا يخفى إلا على أنصاف المتعلمين أو دس خبيث من المغرضين فالتشيع عربي المنبت والجذور عراقي الموطن والثغور.
2-الألحاد موقف فكري عميق للغاية والمفترض بصاحبه أن يكون على أرقى أفق في الأدراك. فكيف تم له أن يدعي الألحاد وهو غارق في أوحال الطائفية!؟
3-الشوفينية مرض مقيت يولد من ضيق الأفق وتدني الأدراك وكل شوفيني يفشل فشل حتمي عندما يريد أن يكرس سؤال الهوية لصالح قوميته أو دينه أو طائفته.
الهوية هي صيرورة دائمة لأنها تاريخيا ما آلت إلى ما هي عليه بفعل التفاعل بين مختلف المؤثرات والمكونات المتجددة والتي تعبر عن مجرى التاريخ بوصفه مجرى لا يعرف الثبات ولا يعترف بأصل سالف كون مجرى التاريخ ينتمي دوما للمستقبل وليس بإمكان أية نزعة طائفية مهما بلغت درجة هيمنتها أن تتملك المستقبل لأن المستقبل لا ينتمي قط لكائنات عابرة مرتهنة لمآل الصيرورة فلا توجد هوية محضة بقدر ما لا يتحقق وجود محض.
…………….
1-الرسالة العراقية، الرصافي، منشورات الجمل.