
الشيخ عز الدين محمد البغدادي
تميز الامام الكاظم عليه السلام بمأساة ممن نوع خاص، وهي الحبس الذي تعرض له اكثر من مرة حتى توفي فيه شهيدا. وهنا نقطة غريبة، فبعد استشهاد الامام الحسين (ع) ظهرت سياسة جديدة من السلطة والأئمة (ع) معا. اما السلطة فقد كانت تحاول تجنب الصدام باهل البيت والسبب وضحه عبد الملك بن مروان في كتاب له الى واليه الحجاج حيث كتب له: “جنبني دماء اهل هذا البيت فإني رأيت الملك خرج من آل ابي سفيان بما فعلوه بهم” ومن جهة اخرى اتخذ أئمة اهل البيت سياسة التقية والبعد عن منازعة السلطة بشكل مباشر على الاقل.
ومضت الامور هكذا حتى عهد الامام العسكري (ع) وكان الاستثناء الوحيد هو موسى بن جعفر الكاظم!!
وهنا يتعلق الامر ببعض من فلسف موضوع الامامة، وهو هشام بن الحكم، وكان هشام مثقفا جدا يتقن اساليب الفلسفة وله مصنفات كثيرة منها كتاب له “في الرد على ارسطو” وغيرها تدل على تمكنه في هذا الصنف من المعرفة، وقد وصفه الشيخ الطوسي فقال عنه: … وكان ممن فتق الكلام في الإمامة، وهذّب المذهب بالنظر، وكان حاذقا بصناعة الكلام ” إلا أن هشام أشاع في ايام الكاظم (ع) فكرة كون الامام هو السلطان الشرعي واجب الطاعة وليس الخليفة الرسمي، وأنه لو أمره أن يخرج لخرج. وقد تحدث يحيى بن خالد البرمكي بذلك أمام هارون الرشيد، فقال له: يا أمير المؤمنين، إني قد استنبطت أمر هشام فإذا هو يزعم أن لله في أرضه إمامًا غيرك مفروض الطاعة، قال: سبحانه الله! قال: نعم، ويزعم أن لو أمره بالخروج لخرج”
ولهذا السبب تعرض الامام للحبس، فقد حبسه المهدي ثم أخرجه، قال ابن كثير: وأخذ عليه العهد أن لا يخرج عليه ولا على أحد من أولاده، فقال: والله ما هذا من شأني ولا حدثت فيه نفسي.
ثم تكرر ذلك مع هارون الرشيد عندما بلغه ذلك، وقد طلب الإمام من هشام أن يكف عن الكلام، ولكنه أمسك عن الكلام شهرًا ثم عاد، فقال له أبو الحسن (الكاظم ع): “أيسرك أن تشرك في دم امرئ مسلم؟ قال: لا، قال: وكيف تشرك في دمي؟ فإن سكت وإلا فهو الذبح، فما سكت حتى كان من أمره ما كان.
ولذلك قال الامام الرضا (ع): “… هشام بن الحكم هو الذي صنع بأبي الحسن ما صنع وقال لهم وأخبرهم، أترى الله يغفر له ما ركب منا؟
وفي خبر آخر أنه قال عنه: ضال مضل شرك في دم أبي الحسن”
زاوية ميتة، ورؤية من جهة لا أظن ان احدا التفت اليها والى اهميتها، يمكن ان تلقى كثيرا من الاضواء على فهمنا لاستشهاد الامام الكاظم (ع) من جهة، وتطور نظرية الامامة من جهة اخرى وهو ما بينته مع مصادره في كتاب “نظرية الامامة” … عظم الله لكم الاجر
عز الدين البغدادي